بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

قوله : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين أهل الجنة وأهل النار سور { وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ } . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : الأعراف سور كعرف الديك . وقال القتبي : الأعراف سور بين الجنة والنار ، وسمي بذلك لارتفاعه ، وكل مرتفع عند العرب أعراف . وقال السدي : إنما سمّي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : « هُمْ قَوْمٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله فِي مَعْصِيةِ آبائِهِمْ فَمَنَعَهُمْ مِنَ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَنَعَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ مَعْصِيَتُهُمْ آبَاءَهُمْ » وعن حذيفة بن اليمان أنه قال : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فلم يكن لهم حسنات فاضلة يدخلون بها الجنة ولا سيئات فاضلة يدخلون بها النار . وهذا القول أيضاً روي عن ابن عباس مثل هذا . وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : هم أولاد الزنى . وروي عن أبي مجلز أنه قال : هم الملائكة . فبلغ ذلك مجاهداً فقال : كذب أبو مجلز يقول الله تعالى : { وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ } فقال أبو مجلز : لأن الملائكة ليسوا بإناث ولكنهم عباد الرحمن . قال الله : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شهادتهم وَيُسْألُونَ } [ الزخرف : 19 ] .

{ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم } يعني : أن أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة إذا مروا بهم ببياض وجوههم ، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم والسيما هي العلامة { وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ } يعني : فإذا مرّ بهم زمرة من أهل الجنة قالوا : { أَن سلام عَلَيْكُمْ } يعني : إنّ أهل الأعراف يسلّمون على أهل الجنة { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } يعني : إنّ أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أنْ يَدخلوها .

وقال الحسن : والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدهم بها . ويقال : لم يدخلوها يعني : أهل الجنة لم يدخلوها حتى يسلم عليهم أهل الأعراف وهم يطمعون في دخولها . ويقال : أهل النار لم يدخلوها أبداً وهم يطمعون وطمعهم أن أفيضوا علينا من الماء .