وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } يعني بين الجنّة والنار حجاب حاجز وهو السور الذي ذكر الله عزّ وجلّ في قوله
{ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [ الحديد : 13 ] .
{ وَعَلَى الأَعْرَافِ } يعني على ذلك الحجاب . والأعراف سور بين الجنّة والنار وهي جمع عرف وهو كلّ تل مرتفع ومنه عرف الديك لارتفاعه على ماسواه من جسده .
وظلت بأعراف تعالى كأنها *** رماح نحاها وجهة الريح راكز
ويروى : بأعراف قفالاً ، أي قفالى أي قفلى بعضهم بعضاً ، بمشغرة نصف حمير ، وشبّه [ قوامها ] بالرماح نحاها قصد بها وجهة الريح ، أي جهة الريح ، وقوله : بأعراف أي نشوز من الأرض .
كل كناز لحمها نياف *** كالعلم الموفي على الأعراف
يعني كل كناز نياف لحمها والكناز الصلب .
قال السدي : سمي أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس . وقال الحسين بن الفضل : هو الصراط ، واختلفوا في الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف من هم وما السبب الذي من أجله صاروا هناك ؟ فقال حذيفة وابن عباس : أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم في سيّئاتهم وقصرت بهم سيّئاتهم عن الجنّة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، فوقفوا هناك حتّى يقضي الله فيهم ما يشاء ثمّ يدخلهم الجنّة بفضل رحمته وهم آخر مَنْ يدخل الجنّة قد عرفوا أهل الجنّة وأهل النار ، فإذا أراد الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه من الذهب مكلّلا باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتّى يصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بهم فأتى بهم فقال الله لهم : تمنوا ماشئتم فيتمنون متى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم : لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفاً فيدخلون الجنّة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنّة .
قال ابن مسعود : يحاسب الله عزّ وجلّ الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيّئاته بواحدة دخل الجنّة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ، ثمّ قرأ : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُم } ، ثمّ قال : الميزان يخفف بمثقال حبّة [ فيرجح ] .
ومَنْ استوت حسناته وسيّئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ولم ينزع منهم النور الذي كان في أيديهم . " وروى يحيى بن [ شبل ] أنّ رجلا من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال : هم رجال غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم فقتلوا فاعفوا من النار لقتلهم في سبيل الله وحبسوا عن الجنّة بمعصية أبائهم فهم آخر من [ يدخل ] الجنّة " .
قال شرحبيل بن سعيد : هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم ، وقال مجاهد : هم قوم صالحون فقهاء علماء ، وقال [ التميمي ] وأبو مجلن : هم ملائكة يعرفون أهل الجنّة وأهل النار فقيل لأبي مجلن يقول الله : { وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ } وتزعم أنت أنهم ملائكة ، فقال : إنهم ذكور ليسوا بإناث ، قال ابن عباس : هم رجال كانت لهم ذنوب كثيرة ، وكان حبسهم أمر الله يقومون على الأعراف { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } .
وروى [ صالح مولى الكوفة ] أنّ ابن عباس قال : أصحاب الأعراف أولاد الزنا . وقال أبو العالية : هم قوم يطمعون أن يدخلوا الجنّة وما جعل [ الله ] ذلك الطمع فيهم إلاّ كرامة يريدها بهم .
وقال عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : هم قوم رضي عنهم آبائهم دون أُمهاتهم أو أُمهاتهم دون آبائهم فلم يدخلهم الله الجنّة ، لأن آباءهم وأُمهاتهم غير راضين عنهم ولم يدخلهم النار لرضا آبائهم أو أمهاتهم عنهم فيحبسون على الأعراف إلى أن يقضي الله عزّ وجلّ بين الخلق ثمّ يدخلهم الجنّة ، وقال عبد العزيز بن يحيى [ الكناني ] : هم الذين ماتوا [ بالفقر ] ولم يبدلوا دينهم ، وفي تفسير المنجوني : إنهم أولاد المشركين .
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت محمد بن محمد بن الأشعب يحكي عن بعضهم أنهم أُناس عملوا لله عزّ وجلّ ولكنهم راؤوا في أعمالهم فلا يدخلون النار لأنّهم عملوا أعمالهم لله ولا يدخلون الجنّة لأنّهم طلبوا الثواب من غير الله فيوقفون على الأعراف إلى أن يقضي الله بين الخلق قوله : { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } .
وروى جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ { وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } قال : " الأعراف موضع عال ( من ) الصراط عليه العباس وحمزة ، وعليّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يَعرفون محبيهم بياض الوجوه ومبغضيهم سواد الوجوه " .
وقوله : ( يعرفون كلا بسيماهم ) يعني يعرفون أهل الجنّة ببياض وجوههم ونظرة النعيم عليهم ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة عيونهم .
{ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } يعني أهل الأعراف .
قال سعيد بن جبير : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم لأن الله تعالى [ . . . . . ] ، ويود المنافقون وهم على الصراط لو بقي أحدهم ولم [ . . . . . . . . . ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.