الآية 46 وقوله تعالى : { وبينهما حجاب } يشبه أن يكون ما ذكر من الحجاب ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } [ الحديد : 13 ] فأمكن أن يكون الحجاب المذكور بينهما هو السور الذي /174-ب/ ذكر{[8385]} ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاّ بسيماهم } قال بعضهم : هم{[8386]} قوم استوت حسناتهم بسيئاتهم ، لم يبشّروا بالجنة حتى [ إنهم ]{[8387]} لا يخافون عقوبته ، ولا أيسوا حتى [ إنهم ]{[8388]} لا يطعمون ولا يرجون دخولهم فيها . وقال آخرون : هم أهل كرامة الله ، أكرمهم الله بذلك ، يرفعهم الله على ذلك السور لينظروا إلى حكم [ الله ]{[8389]} في الخلق وعدله فيهم ، وينظرون إلى إحسان الله في من يحسن إليه وعدله في من يعاقبهم . وقيل : هم الأنبياء .
والأشبه أن يكونوا الأنبياء ؛ يكونون على الأعراف ، يشهدون على الأمم كقوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } [ النساء : 41 ] وقال قائلون : هم الملائكة لكن ملائكة الله ما يسمّون رجالا{[8390]} ، ولم نسمع بذلك ، والله أعلم بذلك .
ثم اختلف فيه : قيل : سمّوا أصحاب الأعراف ، وهو سور بين الجنة والنار ؛ سمّي بذلك لارتفاعه ، وكل مرتفع عند العرب عرف{[8391]} ، وهو قول القتبيّ . وقال غيره : الأعراف هو عرف كعرف الديك والفرس ، وهو أيضا من الارتفاع .
وقال الحسن : هم أصحاب التعريف ؛ يعرفون أهل النار وعد الله فيهم وحكمه ، وأن ما حل بهم من الشدائد والعذاب إنما حل بهم مما كان منهم في الدنيا من صدّهم الناس عن سبيل الله واستكبارهم على الرسل ؛ يعرفونهم أن ما نزل بهم إنما نزل بعدل منه ، ويعرّفون أهل الجنة فضل الله وإحسانه إليهم أن ما نالوه إنما نالوا بفضل وإحسان ، أو قوم نصبهم الله لمحاجّة أهل [ النار ]{[8392]} كقوله تعالى : { أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } [ الأعراف : 48 ] فهذه المحاجّة التي يحاجّون بها أهل النار .
وقيل{[8393]} : هم قوم نصبوا يترجمون بين أهل الجنة وأهل النار ، يؤدّون كلام بعضهم إلى بعض ، وينهون مخاطبات بعضهم على بعض . من ذلك قوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء } [ الأعراف : 50 ] وقوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } [ الأعراف : 44 ] ونحوه ، والله أعلم من هم .
وقوله تعالى : { يعرفون كلاّ بسيماهم } قيل : المؤمن يعرف ببياض وجهه ، والكافر بسواد وجهه . ويحتمل ما قال الحسن : هو أن يعرفوا بالمنازل والأماكن .
وقوله تعالى : { ونادوا أصحاب الجنة } يعني نادى أصحاب الأعراف { أصحاب الجنة أن سلام عليكم } ليس أن يقولوا : سلام عليكم باللسان خاصة ، ولكن في كل كلام سديد وقول حسن وصواب كقوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما } [ مريم : 62 ] أي سديدا صوابا ، وكذلك : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } [ الفرقان : 63 ] ليس على أن يقولوا سلام عليكم ، ولكن يقولون لهم قولا صوابا محكما . فعلى ذلك الأول .
وقوله تعالى : { لم يدخلوها وهم يطمعون }اختلف فيه : قال عامة أهل التأويل : هم أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها ، وهم يطمعون دخولها . وقيل : هم كفار أهل النار يطمعون أن ينالوا منها كقوله تعالى : { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرّمهما على الكافرين } [ الأعراف : 50 ] إلى هذا الوقت يطمعون دخولها والنيل منها . ثم أيسوا بهذا .
وقال يعضهم : هم أهل الجنة يطمعون دخولها قبل أن يدخل أهل الجنة [ الجنة ]{[8394]} وقبل أن يدخل أهل النارِ النارَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.