محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

[ 46 ] { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ( 46 ) } .

{ وبينهما حجاب } أي : بين الفريقين سور وستر ، أو بين الجنة والنار ، ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى . وقد سمي هذا الحجاب سورا في آية{[3938]} { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } وقوله تعالى : { وعلى الأعراف/ رجال } أي على أعراف الحجاب وشرفاته وأعاليه ، هو السور المضروب بينهما ، جمع عرْف ، مستعار من عرف الفرس ، وعرف الديك . وكل ما ارتفع من الأرض عرف ، فإنه بظهوره أعرف مما انخفض .

وقد حكى المفسرون أقوالا كثيرة في رجال الأعراف ، عن التابعين وغيرهم ، أنهم فضلاء المؤمنين ، أو هم الشهداء ، أو الأنبياء ، أو قوم أوذوا في سبيل الله ، فاطلعوا على أعدائهم ليشمتوا بهم ، فعرفوهم بسيماهم ، وسلموا على أهل الجنة ، واللفظ ، لإبهامه ، يحتمل ذلك ، لأن السياق يدل على سموّ قدرهم ، لا سيما بجعل منازلهم الأعراف ، وهي الأعالي ، والشرف ، كما تقدم ومن ذكر كلهم جديرون بذلك- والله أعلم- .

{ يعرفون كلا } أي من أهل الجنة والنار { بسيماهم } أي بعلامتهم التي أعلمهم الله بها ، كبياض الوجه وسواده .

فائدة :

السيما مقصورة وممدودة ، والسيمة والسيمياء بكسرهن العلامة . قال القاضي : السيمى فعلى من ( سام إبله ) إذا أرسلها في المرعى معلمة . أو من ( وسم ) على القلب ( كالجاه ) من ( الوجه ) . انتهى . وعلى الثاني اقتصر ابن دريد { ونادوا } أي رجال الأعراف { أصحاب الجنة } أي حين رأوهم من أعرافهم ، وقد عرفوهم من سيماهم أنهم أهل الجنة { أن سلام عليكم } بطريق الدعاء والتحية ، أو بطريق الإخبار بنجاتهم من المكاره . والوجه الأول هو المأثور عن ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه عنه العوفي . قال رضي الله : " أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار ، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم من القوم الظالمين ، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام " . { لم يدخلوها وهم يطمعون } الضميران في الجملتين لأصحاب الأعراف ، والأولى حال من الواو ، والثانية حال من فاعل { يدخلوها } ، أي نادوهم وهم لم يدخلوا الجنة بعد ، حال كونهم طامعين في دخولها ، مترقبين .

/ قال الجشمي رحمه الله : قيل : إذا كان أصحاب الأعراف أفاضل المؤمنين ، فلم تأخر دخولهم ؟ قلنا : هم تعجلوا اللذة بالشماتة من الأعداء ، وإن تأخر دخولهم ، لظهور فضلهم ، وجلالة طريقهم إلى منازلهم 1ه .

ولا يبعد عندي أن يكون جملة { لم يدخلوها وهم يطمعون } حالا من { أصحاب الجنة } أي نادوهم بالسلام وهم في الموقف على طمع دخول الجنة يبشرونهم بالأمان والفوز من العذاب ، إشارة إلى سبق أهل الأعراف على غيرهم في دخول الجنة ، وعلو منازلهم على سواهم-والله أعلم- .

وذهب أبو مجلز إلى أن الضميرين لأصحاب الجنة ، أي : نادى أهل الأعراف أصحاب الجنة بالسلام ، حال كون أصحاب الجنة لم يدخلوها . وهو وجه جيد . فالجملة الأولى حال من المفعول وهو { أصحاب الجنة } والثانية حال من فاعل { يدخلوها } .


[3938]:- [57/ الحديد/ 13] ونصها: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوارا....}.