تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

المفردات :

بينهما حجاب : حاجز وهو سور بينهما .

وعلى الأعراف : أي : أعراف الحجاب ، أي : أعاليه ، جمع عرف مستعار من عرف الفرس : وقيل : العرف ما ارتفع من الشيء .

رجال : أي : طائفة من الموجودين قصروا في العمل فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم .

بسيماهم : بعلامتهم المميزة .

التفسير :

وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم . . الآية .

والمعنى : بين أهل الجنة والنار حاجز سميك ، يعزل كل فريق عن الآخر عزلة كاملة ، لا ينفذ منها شيء من نعيم الجنة إلى أصحاب النار ، كما لا ينفذ منها شيء من عذاب جهنم ولفحها إلى أهل الجنة ، ولكنهم مع هذا بمرأى ومسمع من بعض .

أصحاب العراف :

الأعراف في اللغة : المكان المرتفع ، ومنه : عرف الديك الذي هو أعلى شيء فيه ، ومنه : المعرفة بالشيء حيث تكشفه وتستولي على حقيقته .

وأصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .

فلم تكثر حسناتهم ليدخلوا الجنة ، ولم تكثر سيئاتهم ليدخلوا النار .

فهم في منزلة بين المنزلتين . يشاهدون أصحاب الجنة وما يتقلبون فيه من النعيم ، ويتمنون أن يكونوا مثلهم .

ويشاهدون أصحاب النار وما يتقبلون فيه من الجحيم ، ويدعون الله ألا يكونوا معهم .

وهم أشبه بالنظارة والمشاهدين الذين يشجعون الفريق الفائز في مباراة أو مناظرة ، وهناك آراء كثيرة في أصحاب الأعراف .

قال الشوكاني : وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف .

فقيل : هم الشهداء ، وقيل : هم فضلاء المؤمنين ، فرغوا من شغل أنفسهم ، وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ، ذكره مجاهد .

وقيل : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، قد قصرت بهم أعمالهم عن دخول الجنة ، ثم يدخلون الجنة بفضل الله ورحمته ، وهم آخر من يدخلها ، وقيل : هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ( 50 )

وعلى العراف رجال يعرفون كلا بسيماهم .

والمعنى : أن رجال الأعراف على شرفات عالية ، يعرفون كل فريق من أهل الجنة وأهل النار بعلامتهم المميزة ، فأهل الجنة من علاماتهم بياض الوجوه ونعيمها ، وإشراق الأمن والسلامة والرضا عليهم .

وأهل النار سود الوجوه ، على وجوههم غبرة ترهقها قترة ، قد استولى عليهم الكرب والفزع ، واشتد بهم البلاء .

قال تعالى : وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة . ( عبس : 38 – 42 ) .

ويلا حظ أن البياض هنا كناية عن النعيم ، والسواد كناية عن الحزن والجحيم ، وليس في هذا ميزة لأبيض على أسود في الدنيا ؛ ( لأن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) ( 51 ) .

وفي محاورة بين أبيض وأسود قال الأسود :

ألم تر أن سواد المسك لا شيء مثله وأن بياض اللفت حمل بدرهم

وأن سواد العين لا شك نورها وأن بياض العين لا شيء فاعلم

فقال الأبيض :

ألم تر أن بياض القمر لا شيء مثله وأن سواد الفحم حمل بدرهم

وأن رجال الله بيض وجوههم وأن سود الوجوه مأواهم جهنم

وهي كما ترى مماحكات لفظية ؛ لأن سود الوجوه في الدنيا إذا عملوا أعمالا صالحة ، ابيضت وجوههم يوم القيامة ، وبيض الوجوه إذا علموا أعمالا سيئة اسودت وجوههم يوم القيامة ، فالسواد والبياض من أثر العمل الصالح أو السيء والمنزلة السامية أو الهابطة في الآخرة .

وقد تحدث القرآن عن المنافقين فقال : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة . . . ( المنافقون : 4 ) .

وقال تعالى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم . . ( التوبة : 55 ) .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : كم من وجه صبيح ، وجسم مليح ، ولسان فصيح ، غدا بين أحشاء النار يصيح )

وقال : صلى الله عليه وآله وسلم : ( رب أشعت أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ) ( 52 ) .

ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم .

أي : نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم بالتحية والتكريم والتشجيع فقالوا : سلام عليكم وتعجب أهل الجنة من هؤلاء الذين يقدمون لهم التحية والتكريم ، وهم في مرحلة عالية فاصلة ، من هم ؟ !

فأجاب الحق سبحانه :

لم يدخلوها وهم يطمعون .

أي : لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ، ولكنهم يطمعون في دخولها ؛ لما يرون في فضل الله ورحمته على أهل الجنة ، وأن الله تعالى تغلب رحمته غضبه ، وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال لأصحاب الأعراف : أنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم ) ( 53 ) .