معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح

مكية وآياتها ثمان

{ ألم نشرح لك صدرك } ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الشرح

مقدمة وتمهيد

1- هذه السورة الكريمة من السور المكية ، وتسمى : سورة " الشرح " وسورة " ألم نشرح " وسورة " الانشراح " ، وترتيبها في النزول الثانية عشرة ، وكان نزولها بعد سورة الضحى ، وقبل سورة " العصر " . وعدد آياتها ثماني آيات .

2- وكما عدد الله –تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بعض نعمه العظيمة عليه في سورة الضحى ، جاءت سورة الشرح ، لتسوق نعما أخرى منه –تعالى- عليه صلى الله عليه وسلم حاثا إياه على شكره ، ليزيده منها .

الاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } للتقرير لأنه إذا دخل على النفى قرره ، وهذا التقرير المقصود به التذكير ، حتى يداوم على شكره - تعالى - .

وأصل الشرح : البسط للشئ وتوسعته ، يقال : شرح فلان الشيء ، إذا وسعه ، ومنه شرح فلان الكتاب ، إذا وضحه ، وأزال مجمله ، وبسط ما فيه من غموض .

والمراد بشرح الصدر هنا : توسعته وفتحه ، لقبول كل ما هو من الفضائل والكمالات النفسية . وإذهاب كل ما يصد عن الإِدراك السليم وعن الحق والخير والهدى .

وهذا الشرح يشمل الشق البدنى لصدره صلى الله عليه وسلم كما يشمل الشرح المعنوى لصدره صلى الله عليه وسلم عن طريق إيداعه الإِيمان والهدى والعلم والفضائل .

قال الإِمام ابن كثير : قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعنى : أما شرحنا لك صدرك . أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ . . . } وقيل المراد بقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإِسراء ، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة . . وهذا وإن كان واقعا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم الذى فعل بصدره ليلة الإِسراء ، ما نشأ عنه من الشرح المعنوى - أيضا - . .

والمعنى : لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك شرحا عظيما ، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس ، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإِيمان والفضائل والحكم . . ما لم نعطه لأحد سواك .

ونون العظمة فى قوله - سبحانه - { نشرح } تدل على عظمة النعمة ، من جهة أن المنعم العظيم ، إنما يمنح العظيم من النعم ، وفى ذلك إشارة إلى أن نعمة الشرح ، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها .

واللام فى قوله - تعالى - : { لك } للتعليل ، وهو يفيد أن ما فعله الله - تعالى - به ، إنما هو من باب تكريمه ، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه ، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره .

قال الإِمام الرازى : فإن قيل : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر ، كما قال - تعالى - : { الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس } فإزالة تلك الوسوسة ، وإبدالها بدواعي الخير هى الشرح ، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب .

قال محمد بن علي الترمذى : القلب محل العقل والمعرفة ، وهو الذى يقصده الشيطان ، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذى هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ، وبث فيه الهموم ، فيضيق القلب ، ولا يجد للطاعة لذة ، وإذا طرد العدو فى الابتداء ، حصل الأمن ، وانشرح الصدر .

وقوله - سبحانه - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم .

والمراد بالوضع هنا : الإِزالة والحط ، لأن هذا اللفظ إذا عدي بعن كان للحط والتخفيف ، وإذا عدي بعلى كان للحمل والتثقيل .

تقول : وضعت عن فلان قيده : إذا أزلته عنه ، ووضعته عليه : إذا حملته إياه .

والوزر : الحِمْل الثقيل ، و { أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أي : أثقله وأوهنه وأتعبه ، حتى سمع له نقيض ، وهو الصوت الخفى الذى يسمع من الرَّحْل الكائن فوق ظهر البعير ، إذا كان هذا الرحل ثقيلا ، ولا يكاد البعير يحمله إلا بمشقة وعسر .

والمعنى : لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك ، وأزلنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة ، وعصمناك من الذنوب والآثام ، وطهرناك من الأدناس ، فصرت - بفضلنا وإحساننا - جديرا بحمل هذه الرسالة ، بتبليغها على أكمل وجه وأتمه .

فالمراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم مغفرة ذنوبه ، وإلى هذا المعنى أشار الإِمام ابن كثير بقوله : قوله - تعالى - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } بمعنى { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وقال غير واحد من السلف فى قوله : { الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أى : أثقلك حمله .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم : إزالة العقبات التى وضعها المشركون فى طريق دعوته ، وإعانته على تبليغ الرسالة على أكمل وجه ، ورفع الحيرة التى كانت تعتريه قبل النبوة .

قال بعض العلماء : وقد ذكر جمهرة المفسرين أن المراد بالوزر فى هذه الآية : الذنب ، ثم راحوا يتأولون الكلام ، ويتمحلون الأعذار ، ويختلفون فى جواز ارتكاب الأنبياء للمعاصي ، وكل هذا كلام ، ولا داعى إليه ، ولا يلزم حمل الآية عليه .

والمراد - والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم - بالوزر : الحيرة التى اعترته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ، حين فكر فيما عليه قومه من عبادة الأوثان . وأيقن بثاقب فكره أن للكون خالقا هو الجدير بالعبادة ، ثم تحير فى الطريق الذى يسلكه لعبادة هذا الخالق ، وما زال كذلك حتى أوحى الله إليه بالرسالة فزالت حيرته . ولما دعا قومه إلى عبادة الله ، وقابلوا دعوته بالإِعراض . . ثقل ذلك عليه ، وغاظه من قومه أن يكذبوه . . وكان ذلك حملا ثقيلا . . شق عليه القيام به .

فليس الوزر الذى كان ينقض ظهره ، ذنبا من الذنوب . . ولكنه كان هما نفسيا يفوق ألمه ، ألم ذلك الثقل الحسي . . فلما هداه الله - تعالى - إلى إنقاذ أمته من أوهامها الفاسدة . . كان ذلك بمثابة رفع الحمل الثقيل ، الذى كان ينوء بحمله . لا جرم كانت هذه الآية واردة على سبيل التمثيل ، واقرأ إن شئت قوله - تعالى - :

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين . واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } ويبدو لنا أن هذا القول الثانى ، هو الأقرب إلى الصواب . لأن الكلام هنا ليس عن الذنوب التى ارتكبها النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة - كما يرى بعض المفسرين - وإنما الكلام هنا عن النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليه والتى من مظاهرها توفيقه للقيام بأعباء الرسالة ، وبإقناع كثير من الناس بأنه على الحق ، واستجابتهم له صلى الله عليه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح مكية وآياتها ثمان

نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق . .

( ألم نشرح لك صدرك ? ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ? ورفعنا لك ذكرك ? )

وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ؛ ومن الكيد والمكر المضروب حولها . . توحي بأن صدره [ صلى الله عليه وسلم ] كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحا على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد . .

ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !

( ألم نشرح لك صدرك ? ) . . ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ? ونيسر لك أمرها ? . ونجعلها حبيبة لقلبك ، ونشرع لك طريقها ? وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !

فتش في صدرك - ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ? واستعد في حسك مذاق هذا العطاء ، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الّذِيَ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } .

قوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكّره آلاءه عنده ، وإحسانه إليه ، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه ، ليستوجب بذلك المزيد منه : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ يا محمد ، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ صَدْرَكَ فنلين لك قلبك ، ونجعله وعاء للحكمة وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يقول : وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك ، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر : «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ » الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ يقول : الذي أثقل ظهرك فأوهنه ، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر ، قد أوهنه السفر ، وأذهب لحمه : هو نِقْضُ سَفَر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : ذنبك .

وقوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقل ظهرك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يعني : الشرك الذي كان فيه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : شرح له صدرَه ، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ ، فوضعه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح مكية وآيها ثماني آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح لك صدرك ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق فكان غائبا حاضرا ، أو ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل ، أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعدما كان يشق عليك ، وقيل إنه إشارة إلى ما روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباه أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيمانا وعلما ، ولعله إشارة إلى نحو ما سبق ، ومعنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته ولذلك عطف عليه .