التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

وفي السورة تطمين لنفس النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بعناية الله به . وبينها وبين سابقتها تماثل حتى لكأنها امتداد لها ، وحتى لقد روي أن السورتين سورة واحدة غير أن المتواتر أنهما سورتان ، تفصل بينهما بسملة مثل سائر السور .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ( 1 ) وَوَضَعْنَا1 عَنكَ وِزْرَكَ 2 ( 2 ) الَّذِي أَنقَضَ 3 ظَهْرَكَ ( 3 ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ( 4 ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا( 6 ) فَإِذَا فَرَغْتَ4 فَانصَبْ 5 ( 7 ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ 6 ( 8 ) } [ 1- 8 ] .

آيات هذه السورة موجهة كذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كسابقتها . وقد احتوت تذكيراً بما كان من عناية الله به وتطميناً وتثبيتاً له أو حثاً على عبادة الله والتقرب إليه .

وقد ذكرت بعض الروايات{[2432]}أنها وسورة الضحى سورة واحدة ، وأن طاوساً وعمر بن العزيز من التابعين كانا يتلوانهما معاً بدون فصل بالبسملة . غير أن المتواتر المتصل بمصحف عثمان رضي الله عنه الذي هو على ترتيب المصحف الذي كتب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، والذي نعتقد أنه الترتيب المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما سورتان تفصل بينهما بسملة . والمتبادر أن التماثل والتعاقب بين السورتين مما جعل بعض التابعين إذا صحت الرواية يقولان إنهما سورة واحدة .

وهذا التماثل والتعاقب يلهمان أن هذه السورة بمثابة استمرار لسابقتها ظرفاً وسياقاً وموضوعاً ، أو أنها نزلت في ظرف أزمة نفسية ثانية ، ألمت بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أزمة فترة الوحي مما كان يلاقيه من قومه من عناء وعسر . وأسلوبها أسلوب تطميني محبب . فالله شرح صدره وخفف الوزر الذي كان شديداً عليه ورفع ذكره مما هو معترف به منه ، لا يمكن أن يدعه وشأنه ، ولا أن يجعل عسره مستمراً ، وعليه أن يتجلد ويصبر ، فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً .

والمتبادر أن شرح الصدر قد قصد به ما أنعم الله على النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى واليقين . وأن وضع الوزر قد قصد به إنقاذه من دور حيرته النفسية ، وأن رفع الذكر قد قصد به ما كان من اختصاصه بالنبوة العظمى .

وفي التوكيد مرتين بأنه سيكون مع العسر يسراً ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى صداً وعسراً شديدين ، وأنه كان يعتلج في نفسه بسبب ذلك همّ وغمّ وقلق . وفيه بشرى وتطمين بأن الأمر سينتهي إلى اليسر والنجاح . ومثل هذه البشرى قد جاءت في السورة السابقة بأسلوب الوعد بأن سوف يعطيه حتى يرضى ، وأن النهاية ستكون خيراً من البداية .

ومما لا شك فيه أنه كان لهذا التوكيد وكذلك للأمر بالاتجاه في الفراغ والخلوات حالما يفرغ من عمله اليومي أثر في استشعار النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة وقوة النفس والروح ، وأن ذلك قد ساعده أعظم مساعدة على مواجهة الصعاب ، والاستخفاف بالعقبات والاستغراق في الدعوة والاندفاع فيها ، والثبات والصبر حتى تمّ له النصر الموعود وتبدل العسر يسراً ، وصارت كلمة الله هي العليا .

وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى دون ريب ؛ حيث يمد كل صاحب دعوة إلى سبيل الله والخير العام بقوة الروح ، وسكينة النفس وطمأنينة القلب والاندفاع فيها هو بسبيله ، واقتحام صعابه وعقباته وتحمل العناء ، راضياً مطمئناً إلى أن يصل إلى هدفه ، ويكون له بعد العسر يسر إذا ما تشبع قلبه بالإيمان وامتلأ بعظمة الله واتجه إليه وحده واستصغر كل ما عداه .


[2432]:انظر تفسير السورة في تفسير النيسابوري (غرائب القرآن).