غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة ألم نشرح مكية ، حروفها مائة وثلاثة ، كلمها تسع وعشرون ، آيها ثمان ) .

التفسير : روي عن طاوس وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان : هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة فكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة من غير فصل بالبسملة . والذي دعاهما إلى ذلك ما رأيا من المناسبة في معرض تعديد النعم بين قوله { ألم يجدك يتيماً } [ الضحى :6 ] وبين قوله { ألم نشرح } وفيه ضعف ، لأن القرآن كله في حكم وكلام واحد فلو كان هذا القدر يوجب طرح البسملة من البين لزم ذلك في كل السور أو في أكثرها ، على أن الاستفهام الأول وارد بصيغة الغيبة ، والثاني بصيغة التكلم ، وهذا مما يوجب المباينة لا المناسبة . قال جار الله : استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار فأفاد إثبات الشرح وإيجابه ، فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك ولذلك عطف عليه { وضعنا } اعتباراً للمعنى . قلت : اعتبار المعنى من جانب { وضعنا } أصوب وأنسب ليكون الكل داخلاً في الاستفهام الإنكاري ، كأنه قيل : ألم نشرح ولم نضع ولم نرفع ومثله ما مر في والضحى ألم يجدك يتيماً أو لم يجدك ضالاً . ونقول : معنى { ألم نشرح } أما شرحنا فيصح العطف عليه بهذا الاعتبار ليشمل الاستفهام مجموع الأفعال وهكذا في " والضحى " . وفائدة العدول من المتكلم الواحد إلى الجمع إما تعظيم حال الشرح وإما الإعلام بتوسط الملك في ذلك الفعل كما روي أن جبرائيل أتاه وشق صدره وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي ثم ملأه علماً وإيماناً ووضعه في صدره . وطعن القاضي فيه من جهة أن هذه الواقعة من قبيل الإعجاز فكيف يمكن تصديقها قبل النبوة ؟ ومن جهة أن الأمور المحسوسة لا يقاس بها الأمور المعنوية . وأجيب عن الأول بأن الإرهاص جائز عندنا ، وعن الثاني بأنه يفعل ما يشاء ، ولا يبعد أنه تعالى جعل ذلك الغسل والتنقية علامة تعرف الملائكة بها عصمته عن الخطايا . والأكثرون على أن الشرح إما معنوي وهو إما نقيض ضيق العطن بحيث لا يتأذى من كل مكروه وإيحاش يلحقه من كفار قومه فيتسع لأعباء الرسالة كلها ولا يتضجر من علائق الدنيا بأسرها ، وإما خلاف الضلال والعمه حتى لا يرى إلا الحق ولا ينطق إلا بالحق ولا يفعل إلا للحق . قال المحققون : ليس للشيطان إلى القلب سبيل ، ولهذا لم يقل " ألم نشرح قلبك " وإنما يجيء الشيطان إلى الصدر الذي هو حصن القلب فيبث فيه هموم الدنيا والحرص على الزخارف فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإيمان حلاوة ولا على الإسلام طلاوة ، فإذا طرد العدو بذكر الله والإعراض عمّا لا يعينه حصل الأمن وانشرح الصدر وتيسر له القيام بأداء العبودية . وفوائد إقحام ( لك ) دون أن يقتصر على قوله { ألم نشرح صدرك } ما مر في قوله { رب اشرح لي صدري } [ طه :25 ] من الإجمال ثم التفصيل ، ومن إرادة الاختصاص أو كونه أهم . قال أهل المعاني ومنهم جار الله : الوزر الذي أنقض ظهره أي أثقله مثل لما صدر عنه من بعض الصغائر قبل النبوة ولما جهله من الأحكام والشرائع ، أو لما كان تهالك عليه من إسلام أولي العناد فيغتم بسبب ذلك ، ووضعه عنه أن غفر له أو أنزل عليه الكتاب . أو قيل له : إن عليك إلا البلاغ لست عليهم بمصيطر . والأصل في الإنقاض أن الظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض أي صوت خفي كصوت المحامل والرحال وكل ما فيه انتقاض وانفكاك . وقيل : المراد بالوزر أعباء الرسالة وبوضعه تسهيل الله تعالى ذلك عليه ومن جملتها أنه كان يفزع في الأوائل حتى كاد يرمي بنفسه من الجبل فقوي وألف بالوحي حتى كاد يرمي بنفسه إذا فتر الوحي أو تأخر . وقيل : المراد إزالة الحيرة التي كانت له قبل البعث ، كان يريد أن يعبد ربه وما كانت نفسه تسكن إلى الشرائع المتقدمة لوقوع التحريف فيها . ورفع ذكره أن قرن اسمه باسم الله في الشهادة والأذان والتشهد والخطب . وجاء ذكره في القرآن مقروناً بذكر الله في غير موضع ، وعلى سبيل التعظيم مثل النبي والرسول . ومن رفع الذكر أن جاء العته في الكتب السماوية كلها وأخذ على أمم الأنبياء كلهم أن يؤمنوا به .

/خ7