تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشرح

أهداف سورة الشرح

( سورة الشرح مكية ، وآياتها 8 آيات ، نزلت بعد سورة الضحى ) .

مجمل ما تضمنته السورة

1- هيأ الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم لتلقي الرسالة الكريمة ، وأفاض عليه من نعمه الجزيلة ، فشرح صدره بما أودع فيه من العلوم والحكم ، حتى حمل أعباء النبوة ، وجعل أمر التبليغ عليه سهلا هينا .

2- قرن الله اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله العظيم في الشهادة والأذان والإقامة والتشهد .

3- بيّن الله أن ما يصيب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة ، سيعقبها اليسر والفرج .

4- طلب الله تعالى من نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم إذا ما انتهى من تعليم الناس وإرشادهم ، أن يشغل نفسه بعبادة الله .

5- أمره ألا يسأل أحدا غيره ، لأنه سبحانه وتعالى هو السيد القادر وحده على إجابة دعوة العبد السائلi .

مع السورة

نزلت سورة الشرح بعد سورة الضحى ، وكأنها تكملة لها ، فيها مظاهر الرعاية والعناية الإلهية ، وفيها البشرى باليسر والفرج : ألم نفسح صدرك لهذه الدعوة ونيسر لك أمرها ؟

ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك . أي : ووضعنا عنك عبأك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله ، وضعناه عنك بشرح صدرك له فخفّ وهان ، وبتيسيرك وتوفيقك للدعوة ومداخل القلوب .

ورفعنا لك ذكرك . رفعناه في الملأ الأعلى ، ورفعناه في الأرض ، ورفعناه في هذا الوجود جميعا ، ورفعناه فجعلنا اسمك مقرونا باسم الله ، كلما تحركت به الشفاه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

قال مجاهد في معناه : أي لا أذكر إلا ذكرت معي .

فإن مع العسر يسرا . ومع الشدة فرجا ، ومع قلة ذات اليد السهولة والغنى ، فخذ في أسباب اليسر والتيسير ، فإذا فرغت من مهمة تبليغ الرسالة فانصب واتعب في القيام بواجبات العبادة لنا . وإلى ربك فارغب . واجعل رغبتك إليه ، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه . وعلى الله فليتوكّل المؤمنون . ( التغابن : 13 ) .

( وتنتهي سورة الشرح كما انتهت سورة الضحى ، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين :

الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه الودود الرحيم ، والشعور بالعطف على شخصه صلى الله عليه وسلم ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم ، في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .

إنها الدعوة ، هذه الأمانة الثقيلة ، وهذا العبء الذي ينقض الظهر ، وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود )ii .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي أنقض ظهرك 3 ورفعنا لك ذكرك 4 فإنّ مع العسر يسرا 5 إنّ مع العسر يسرا 6 فإذا فرغت فانصب 7 وإلى ربك فارغب 8 }

المفردات :

ألم نشرح : ألم نفسح بالحكمة والنبوة ، والاستفهام للتقرير ، كأنه قيل : قد شرحنا لك صدرك .

التفسير :

1- ألم نشرح لك صدرك .

الاستفهام هنا للتقرير ، فقد عدّد الله تعالى عليه بعض النعم في سورة الضحى ، ثم أتم تعديد النعم في سورة الشرح .

والمعنى :

قد شرحنا صدرك ، أي وسّعناه ونورناه بالإيمان والرضا والسرور ، وإذهاب الضيق والآلام .

قال تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . . . ( الزمر : 22 ) .

وقد كان صلى الله عليه وسلم في ألم وحزن من تكذيب قومه لرسالته ، وإعراضهم عن دعوته .

قال تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون* فسبّح بحمد ربك وكن من الساجدين . ( الحجر : 97 ، 98 ) .

كانوا يقولون : ساحر وكاذب ومجنون ، وكانت يد الله تمسح على صدره ، فتهون عليه ما يلقاه في سبيل الدعوة ، وتدعوه أن يذكر اسم الله في الشدة ، وأن يلجأ إليه داعيا متبتلا .

قال تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا . ( الكهف : 6 ) .

وقال تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون . ( الأنعام : 33 ) .

وقيل : المراد بالشرح هنا : توسيع الصدر حسيا حين كان يرضع من حليمة السعدية ، فأخذه ملكان فأضجعاه وشقا صدره ، وأخرجا منه حظ الشيطان وملآه بالإيمان .

وقد ورد ذلك في صحيح مسلم ، وفي كتب السنة أن ذلك الشرح الحسّي تكرر وعمر النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة وأشهر ، كما وقع ذلك ليلة الإسراء والمعراج ، والجمهور على أن شرح الصدر هو تنويره بالحكمة ، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه .

وليس هناك ما يمنع من أن يراد من شرح الصدر الشرح الحسّي ، ويكون وسيلة لتطهير قلبه وتخليصه من أي أثر للشيطان ، ويكون هذا الشرح الحسي وسيلة للشرح المعنوي ، وهو تحمّل أعباء الرسالة ، والصبر على الأداء ، واحتمال تكذيب القوم ، مع الصبر وانتظار الفرج ، وقد أشار إلى شيء من ذلك الإمام ابن كثير حيث قال :

ألم نشرح لك صدرك . يعني : شرحنا لك صدرك ، أي نوّرناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا .

وقيل : المراد بقوله : لم نشرح لك صدرك . شرح صدره ليلة الإسراء ، وهذا وإن كان واقعا ، لكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ، الذي فعل بصدره ليلة الإسراء ، ما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا . اه .

والخلاصة :

إن الله جمع له بين الشرح الحسّي من جهة ، ثم أودع في صدره من الهدى والإيمان والفضائل والحكمة ما لم يعطه لأحد سواه .