البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح

هذه السورة مكية . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة .

وشرح الصدر : تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه ، قاله الجمهور . والأولى العموم لهذا ولغيره من مقاساة الدعاء إلى الله تعالى وحده ، واحتمال المكاره من إذاية الكفار . وقال ابن عباس وجماعة : إشارة إلى شق جبريل عليه السلام صدره في وقت صغره ، ودخلت همزة الاستفهام على النفي ، فأفاد التقرير على هذه النعمة وصار المعنى : قد شرحنا لك صدرك ، ولذلك عطف عليه الماضي وهو وضعنا وهذا نظير قوله :

{ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ }

وقرأ الجمهور : { نشرح } بجزم الحاء لدخول الجازم .

وقرأ أبو جعفر : بفتحها ، وخرجه ابن عطية في كتابه على أنه ألم نشرحن ، فأبدل من النون ألفاً ، ثم حذفها تخفيفاً ، فيكون مثل ما أنشده أبو زيد في نوادره من قول الراجز :

من أي يومي من الموت أفر *** أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وقال الشاعر :

أضرب عنك الهموم طارقها *** ضربك بالسيف قونس الفرس

وقال : قراءة مرذولة .

وقال الزمخشري : وقد ذكرها عن أبي جعفر المنصور ، وقالوا : لعله بين الحاء ، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها ، انتهى .

ولهذه القراءة تخريج أحسن من هذا كله ، وهو أنه لغة لبعض العرب حكاها اللحياني في نوادره ، وهي الجزم بلن والنصب بلم عكس المعروف عند الناس .

وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد ، وهو القائم بثأر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما :

قد كان سمك الهدى ينهد قائمه *** حتى أتيح له المختار فانعمدا

في كل ما هم أمضى رأيه قدماً *** ولم يشاور في إقدامه أحدا

بنصب يشاور ، وهذا محتمل للتخريجين ، وهو أحسن مما تقدم .