تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة { ألم نشرح } وهي مكية{[1]}

الآية1 : وقوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } الخطاب{[23803]} في هذه السورة من الله تعالى لرسوله{[23804]} صلى الله عليه وسلم خاطب ( به حين قال ){[23805]} : { ألم نشرح لك صدرك } إلى ما ذكر .

والمخاطبة في سورة الضحى إذا كانت من غير الله تعالى إياه ، كان جبرائيل عليه السلام خاطبه في ذكر منن الله تعالى إياه وذكر نعمه ، إلا أنه قال : { ما ودعك ربك وما قلا } ( الآية : 3 ) ولم يقل : ودعناك .

ويجوز أن يكون الخطاب في سورة الضحى من الله تعالى على المغايبة ، يقال : إن أمير المؤمنين يقول : كذا ، أراد نفسه .

ثم اختلف في قوله : { ألم نشرح لك صدرك } قال بعضهم : شرح صدره للإسلام كقوله : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } ( الزمر : 22 ) أخبر أن من شرح صدره للإسلام ، { فهو على نور من ربه } / 646 ب/والشرح : قيل : هو التليين والتوسيع والفتح ، أي ألم نوسع لك صدرك ، ونفتح ، ونلين للإسلام .

وقد روي في الخبر أنه لما نزل هذا قيل : يا رسول الله ، وهل لذلك من علامة ؟ فقال : بلى التجافي من دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت . قبل نزوله ) ( الحاكم في المستدرك 4 / 311 ) ولكن يعرف ذلك من رسول الله بطريق الحقيقة ، ويظهر ذلك منه باليقين ، فأما من غيره فإنما يعرف بالتجافي من دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود بالتقارب . وغالب الظن أن{[23806]} رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له الآخرة وأمورها كالمشاهدة والمعاينة . وكذلك جميع الأنبياء والرسل . فأما لغيرهم يبلغ ذلك ، وهو ما ذكرنا أن رؤيا الأنبياء كالعيان ، أي تعرف بطريق اليقين بخلاف رؤيا غيرهم .

وقال بعضهم : شرح صدره لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم والانقلاع عن عبادة من يعبد الله ، ضاق صدره لذلك ، وثقل على قلبه ، فوسع الله صدره ، وشرحه حتى هان ذلك عليه ، وخف ، وهو قول أبي بكر الأصم . إلا أنه فعل ذلك به ، وحققه{[23807]} بالآيات والحجج .

ونحن نقول باللطف منه حتى قام بوفاء ما كلف ، وأمر . أما هو فلا يقول باللطف والاختصاص للبعض دون البعض لقوله بالأصلح .

ويحتمل أن يكون ما ذكر من شرح صدره وتوسيعه ، هو ما ذكر في قوله { وإنك لعلى خلق عظيم } ( القلم : 4 ) وخلقه كان يجاوز وسعه وطاقته حتى كادت نفسه تهلك لمكان كفر أولئك ، وما يعلم أنه ينزل بهم ، إشفاقا ورحمة كقوله : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ( الشعراء : 3 ) وقوله : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك } ( هود : 12 ) وغير ذلك من أمثال هذا ، وذلك ، والله أعلم ، ما وصف من خلقه أنه عظيم ، فوسع صدره ، وشرحه حتى يخف ذلك عليه حين{[23808]} قال له : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون } ( فاطر : 8 ) وقال : { ولا تحزن عليهم } ( النمل : 70 ) .

وقال الحسن في قوله : { ألم نشرح لك صدرك } بلى قد شرح له صدره ، وملأه علما وحكمة ، ثم قوله : { ألم نشرح لك صدرك } إلى ما ذكر إن كان المخاطب به رسول الله ، وهو المراد به .

فتأويل السورة يخرج على ما ذكر من تيسير{[23809]} الأمر عليه وتخفيف ما حمّله وأمر به .


[1]:- في ط ع: سمح.
[23803]:في الأصل وم: المخاطب
[23804]:في الأصل وم: رسوله
[23805]:في الأصل وم: إياه حيث، وفي م: إياه حيث قال.
[23806]:في الأصل وم: لأن
[23807]:في الأصل وم: وحقق
[23808]:في الأصل وم: حيث
[23809]:من نسخة الحرم المكي: في الأصل وم: تبيين