فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ألم نشرح

وهي ثماني آيات ، وهي مكية بلا خلاف ، عن عائشة قالت : نزلت سورة ألم نشرح بمكة ، ومثله عن ابن عباس ، وزاد بعد الضحى .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم نشرح لك صدرك } معنى شرح الصدر فتحه بإذهاب ما يصدر عن الإدراك ، والاستفهام التقريري إذا دخل على النفي قرره فصار المعنى قد شرحنا لك صدرك حتى وسع مناجاة الحق ، ودعوة الخلق ، فكان غائبا عنهم بروحه ، وحاضرا معهم بجسده الشريف .

والمعنى ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل ، أو بما يسرنا لك من تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك .

قال الراغب أصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ، ومنه شرح الصدر وهو بسطه بنور إلهي وسكينته من جهة الله وروح منه وإنما خص الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات ، وقيل لأن الصدر محل الوسوسة كما قال تعالى { يوسوس في صدور الناس } فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح .

والقلب محل العقل والمعرفة وهو الذي يقصده الشيطان فيجيء أولا إلى الصدر الذي هو حصن القلب فإذا وجد مسلكا نزل فيه هو وجنده ، وبث فيه الغموم والهموم والحرص ، فيضيق القلب حينئذ ، ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة ، وإذا لم يجد له مسلكا وطرد حصل الأمن وانشرح الصدر ، وتيسر القيام بأداء العبودية .

ولم يقل نشرح صدرك تنبيها على أن منافع الرسالة عائدة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، كأنه يقول : إنما شرحنا صدرك لأجلك لا لأجلي ، والمراد بالامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم بفتح صدره وتوسيعه حتى قام بما قام به من الدعوة وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء وحفظ الوحي . وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } قال ابن عباس في الآية : شرح الله صدره للإسلام .

قرأ الجمهور نشرح بسكون الحاء بالجزم ، وبفتحها قرأ أبو جعفر المنصور العباسي . قال الزمخشري : قالوا : لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها .

وقال ابن عطية : إن الأصل ألم نشرحن بالنون الخفيفة ثم إبدالها ألفا ثم حذفها تخفيفا ، وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بلم وهو قليل جدا ، وخرجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بلم ويجزمون بلن ، وهذه ما أظنها تصح . وإن صحت فليست من اللغات المعتبرة فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها .

وعلى كل حال فقراءة هذا الرجل مع شدة جوره ومزيد ظلمه وكثرة جبروته وقلة علمه ليست بحقيقة بالاشتغال بها .