معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ثم خاطب الجن والإنس فقال : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أيها الثقلان ، يريد من هذه الأشياء المذكرة . وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنعمة وتأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع ، يعدد على الخلق آلاءه ، ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ، كقول الرجل لمن أحسن إليه : وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها : ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا ؟ ألم تك خاملاً ؟ فعززتك أفتنكر هذا ؟ ومثل هذا التكرير شائع في كلام العرب حسن تقريراً . وقد خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى : { ألقيا في جهنم }( ق-24 ) . وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : ما لي أراكم سكوتاً للجن كانوا أحسن منكم رداً ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا : ولا بشيء من نعمتك ربنا نكذب ، فلك الحمد " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ثم ختم - سبحانه - هذه النعم بقوله : { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

والفاء للتفريع على النعم المتعددة التى سبق ذكرها ، والاستفهام للتعجيب ممن يكذب بهذه النعم ، والآلاء : جمع إِلْى - بكسر الهمزة وفتحها وسكون اللام - وهى النعمة ، والخطاب للمكلفين من الجن والإنس ، وقيل لأفراد الإنس مؤمنهم وكافرهم ، أى : فبأى واحدة من هذه النعم تكذبان ربكما ، أى : تجحدان فضله ومننه - يا معشر الجن والإنس - مع أن كل نعمة من هذه النعم تستحق منكم الطاعة لى ، والخضوع لعزتى والإخلاص فى عبادتى .

قال الجمل ما ملخصه : كررت هذه الآية هنا إحدى وثلاثين مرة تقريرا للنعمة ، وتأكيدا للتذكير بها ، وذلك كقول الرجل لمن أحسن إليه ، وهو ينكر هذا الإحسان : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عريانا فكسوتك ، أفتنكر هذا . . . ؟

ومثل هذا الكلام شائع فى كلام العرب ، وذلك أن الله - تعالى - عدد على عباده نعمه ، ثم خاطبهم بقوله : { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

وقد كرر - سبحانه - هذه الآية ثمانى مرات ، عقب آيات فيها تعداد عجائب خلقه ، ومبدأ هذا الخلق ونهايته ، ثم كررها سبع مرات عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنم . . . ثم كررها - أيضا - ثمانى مرات فى وصف الجنتين وأهلهما ، بعدد أبواب الجنة ، وكررها كذلك ثمانى مرات فى الجنتين التين هما دون الجنتين السابقتين ، فمن اعتقد الثمانية الأولى ، وعمل بموجبها ، استحق هاتين الثمانيتين من الله - تعالى - ، ووقاه السبعة السابقة بفضله وكرمه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

عند هذا المقطع يهتف بالجن والإنسان ، في مواجهة الكون وأهل الكون : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

وهو سؤال للتسجيل والإشهاد . فما يملك إنس ولا جان أن يكذب بآلاء الرحمن في مثل هذا المقام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنّ مِن مّارِجٍ مّن نّارٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ : فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان . كما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سهل السراج ، عن الحسن فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان .

قال عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال : لا بأيتها يا ربّ .

حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري ، قالا : حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن ، أو قُرئت عنده ، فقال : «ما لِي أسْمَعُ الجِنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبّها مِنْكُمْ ؟ » قالوا : ماذا يا رسول الله ؟ قال : «ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللّهِ : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تكَذّبانِ ؟ إلاّ قالَتِ الجِنّ » : لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبّنا نُكَذّبُ » .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول : فبأيّ نعمة الله تكذّبان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول للجنّ والإنس : بأيّ نِعم الله تكذّبان .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش وغيره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال : لا بأيتها ربنا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال : الاَلاء : القدرة ، فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا ، فبأيّ قُدرة الله تكذّبان أيها الثّقَلان ، الجنّ والإنس .

فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فخاطب اثنين ، وإنما ذكر في أوّل الكلام واحد ، وهو الإنسان ؟ قيل : عاد بالخطاب في قوله : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ إلى الإنسان والجانّ ، ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام ، وهو قوله : خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ . وقد قيل : إنما جعل الكلام خطابا لاثنين ، وقد ابتدىء الخبر عن واحد ، لما قد جرى من فعل العرب ، تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين ، فيقولون : خلياها يا غلام ، وما أشبه ذلك مما قد بيّناه من كتابنا هذا في غير موضع .