معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

{ قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف } وهو يهوذا ، وقال قتادة روبيل ، وكان ابن خالة يوسف ، وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه . والأول أصح أنه يهوذا ، نهاهم عن قتله ، وقال : القتل كبيرة عظيمة . { وألقوه في غيابة الجب } ، قرأ أبو جعفر ، ونافع : غيابات الجب على الجمع في الحرفين ، وقرأ الباقون غيابة الجب على الواحد : أي : في أسفل الجب وظلمته . والغيابة : كل موضع ستر عنك الشيء وغيبه . والجب : البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو . { يلتقطه } : يأخذه ، والالتقاط : أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه ، { بعض السيارة } ، أي : بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية أخرى ، فتستريحوا منه ، { إن كنتم فاعلين } ، أي : إن عزمتم على فعلكم ، وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بعد . وقيل : لم يكونوا بالغين ، وليس بصحيح ، بدليل أنهم قالوا : { وتكونوا من بعده قوما صالحين } . { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } والصغير لا ذنب له . وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من : قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقلة الرأفة بالصغير ، الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة ، وترك العهد ، والكذب مع أبيهم . وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله . وقال بعض أهل العلم : إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى . وسئل أبو عمروا بن العلاء : كيف قالوا { يرتع ويلعب } وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن نبأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

وقوله - سبحانه - { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم ، واستقر عليه أمرهم .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب } قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة " في غيابة الجب " بالإِفراد - وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " - بالجمع- .

وكل شئ غيب عنك شيئا فهو غيابة ، ومنه قيل للقبر غيابة - قال الشاعر :

فإن أنا يوما غيبتنى غيابتى . . . فسيروا بسيرى في العشيرة والاهل

والجب : الركية - أى الحفرة - التي لم تطو - أى لم بتن بالحجارة - فإذا طويت فهى بئر . وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا . وجمع الجب جببه وجباب وأجباب .

وجمع بين الغيابة والجبن ، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . . .

والسيارة : جمع سيار ، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم .

والمعنى : قال قائل من إخوة يوسف أفرزعه ما هم مقدمون علهي بشأن أخيهم الصغير : لا تقتلوا يوسف ، لأن قتله جرم عظيم ، وبدلا من ذلك ، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره ، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم ، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم .

ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه ، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض ، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل " يهوذا "

والفائدة في وصفه بأنه منهم ، الإِخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت .

وأتى باسم يوسف دون ضميره ، لاستدرار عطفهم عليه ، وشفقتهم به ، واستعظام أمر قتله .

وجواب الشرط في قوله { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } محذوف لدلالة " وألقوه " عليه .

والمعنى : إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب ، فألقوه في غيابة الجب ، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا .

وفى هذه الجملة من هذا القائل ، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ ، حيث فوض الأمر إليهم ، تعظيما لهم ، وحذرا من سوء ظنهم به ، فكان أمثلهم رأيا ، وأقربهم إلى التقوى .

قالوا : وفى هذا الرأى عبرة في الاقتصاد عند الانتقام ، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط ، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم . وهذا الإِبعاد يتم عن طريق إلقائه في غيابة الجب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال قائل من إخوة يوسف : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، وقيل : إن قائل ذلك : روبيل ، كان ابن خالة يوسف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، ذكر لنا أنه روبيل ، كان أكبر القوم ، وهو ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { اقْتُلُوا يُوسُفَ . . . } ، إلى قوله : { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، قال : ذكر لي ، والله أعلم ، أن الذي قال ذلك منهم : روبيل ، الأكبر من بني يعقوب ، وكان أقصدهم فيه رأيا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : كان أكبر إخوته ، وكان ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

وقيل : كان قائل ذلك منهم : شمعون . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : { قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : هو شمعون .

وقوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ } ، يقول : وألقوه في قعر الجبّ حيث يغيب خبره .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة : { غَياباتِ الجُبّ } ، على الجماع . وقرأ ذلك عامة قرّاء سائر الأمصار : { غَيابَةِ الجُبّ } ، بتوحيد الغيابة . وقراءة ذلك بالتوحيد أحبّ إليّ .

والجبّ : بئر . وقيل : إنه اسم بئر ببيت المقدس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الُجْبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

والغيابة : كل شيء غيب شيئا فهو غيابة ، والجبّ : البئر غير المطوية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، في بعض نواحيها : في أسفلها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يقول : في بعض نواحيها .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : قالها كبيرهم الذي تخلف . قال : والجبّ : بئر بالشام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يعني : الركية .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : الجبّ : البئر .

وقوله : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، يقول : يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين . { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، يقول : إن كنتم فاعلين ما أقول لكم . فذكر أنه التقطه بعض الأعراب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، قال : التقطه ناس من الأعراب .

وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ : { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، بالتاء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، عن مطر الورّاق ، عن الحسن .

وكأن الحسن ذهب في تأنيثه بعض السيارة إلى أن فعل بعضها فعلها ، والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن المضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرا عن جميعه ، وذلك كقول الشاعر :

أرَى مَرّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنّي *** كمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

فقال : «أخذن مني » ، وقد ابتدأ الخبر عن المراد ، إذ كان الخبر عن المرّ خبرا عن السنين ، وكما قال الاَخر :

إذا ماتَ مِنْهُمْ سَيّدٌ قامَ سَيّدٌ *** فَدَانَتْ لهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ

فقال : «دانت له » ، والخبر عن أهل القرى ، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى . ومن قال ذلك ، لم يقل : فدانت له غلام هند ، لأن الغلام لو ألقى من الكلام لم تدلّ هند عليه ، كما يدل الخبر عن القرية على أهلها . وذلك أنه لو قيل : فدانت له القرى ، كان معلوما أنه خبر عن أهلها ، وكذلك بعض السيارة ، لو ألقى البعض ، فقيل : تلتقطه السيارة ، علم أنه خبر عن البعض أو الكلّ ، ودلّ عليه الخبر عن السيارة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

والقائل منهم قيل : هو روبيل - أسنهم - قاله قتادة وابن إسحاق ، وقيل : يهوذا أحلمهم ، وقيل شمعون أشجعهم ، قاله مجاهد ، وهذا عطف منه على أخيه لا محالة لما أراد الله من إنفاذ قضائه . و «الغيابة » ما غاب عنك من الأماكن أو غيب عنك شيئاً آخر .

وقرأ الجمهور : «غيابة الجب » ، وقرأ نافع وحده «غيابات الجب » ، وقرأ الأعرج «غيّابات الجب » بشد الياء ، قال أبو الفتح : هو اسم جاء على فعالة ، كان أبو علي يلحقه بما ذكر سيبويه من الفياد ونحوه{[6573]} ، ووجدت أنا من ذلك : التيار للموج والفجار للخزف .

قال القاضي أبو محمد : وفي شبه غيابة بهذه الأمثلة نظر لأن غيابة جارية على فعل{[6574]} .

وقرأ الحسن : «في غيبة الجب » على وزن فعلة{[6575]} ، وكذلك خطت في مصحف أبي بن كعب ، ومن هذه اللفظة قول الشاعر - وهو المنخل -

فإن أنا يوماً غيبتني غيابتي*** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل{[6576]}

و { الجب } البئر التي لم تطو{[6577]} لأنها جبت من الأرض فقط .

وقرأ الجمهور : «يلتقطه بعض » بالياء من تحت على لفظ بعض ، وقرأ الحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبو رجاء «تلتقطه » بالتاء ، وهذا من حيث أضيف { البعض } إلى { السيارة } فاستفاد منها تأنيث العلاقة ، ومن هذا قول الشاعر : [ الوافر ]

أرى مرّ السنين أخذنْ منّي*** كما أخذ السرار من الهلال{[6578]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

إذا مات منهم سيد قام سيد*** فذلت له أهل القرى والكنائس{[6579]}

وقول كعب : [ الكامل ]

ذلت لوقعتها جميع نزار . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[6580]}

حين أراد بنزار القبيلة ، وأمثلة هذا كثير .

وروي أن جماعة من الأعراب التقطت يوسف عليه السلام : و { السيارة } جمع سيار . وهو بناء للمبالغة ، وقيل في هذا { الجب } : أنه بئر بيت المقدس . وقيل : غيره : وقيل : لم يكن حيث طرحوه ماء ولكن أخرجه الله فيه حتى قصده الناس للاستقاء : وقيل : بل كان فيه ماء كثير يغرق يوسف فنشز حجر من أسفل الجب حتى ثبت عليه يوسف ، وروي أنهم رموه بحبل فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه حينئذ ، وهموا برضخه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك .


[6573]:الفياد: المتبختر، (المعجم الوسيط)، وفي "المحتسب" لأبي الفتح في نفس الموضع: "الفياد لذكر اليوم"، وفيه: "والحمام، والجيار- السعال – والكرار- كبش الراعي-"، و من أمثلة ذلك أيضا: الجبار والكلاء.
[6574]:امدان. أي: مشتقة من فعل، بخلاف التيار والفخار فهما
[6575]:قال أبو الفتح في "المحتسب": "فيجوز أن يكون حدثا: فعلة من غبت، فيكون كقولنا: في ظلمة الجب، ويجوز أن يكون موضعا على فعلة كالقرمة"- بفتح القاف وكسرها وهي من سمات الإبل تكون فوق الأنف – والجرفة – بفتح الجيم وكسرها أيضا، وهي كذلك من سمات الإبل تكون دون الأنف.
[6576]:البيت للمنخل السعدي، ويروى: "في العشيرة"، والغاية هنا: القبر، يقال: وقع في غيابة من الأرض، أي في منهبط منها، يقول: إذا أنا مت في يوم من الأيام، وغيبني القبر في جوفه فاتبعوا سنتي وسيروا بسيرتي مع أهلي وعشيرتي.
[6577]:البئر المطوية هي التي بنيت بالحجارة ونحوها، أو عرشت، والبئر التي لم تطو هي التي حفرت وتركت دون بناء أو عرش.
[6578]:السرار بفتح السين وكسرها: الليلة التي يخفى فيها الهلال آخر الشهر، والشاهد في (أخذن) فقد أنثها الشاعر بالنون مع أنها تعود على (مر) إلى (السين) اكتسب منها التأنيث.
[6579]:هذا البيت من شواهد الكسائي، وقد أورده الفراء في "معاني القرآن"، وقال: "والعرب إذا أضافت المذكر إلى المؤنث وهو فعل له أو بعض له قالوا فيه بالتذكير والتأنيث، وإنما جاز ذلك لأن الثاني يكفي من الأول، ألا ترى أنه لو قيل: "تلتقطه السيارة" لجاز، ولا يجوز أن يقال: "ضربتي غلام جاريتك" لأنه ألقيت (غلام) لم تدخل الجارية على معناه؟". هذا ومثل البيتين قول الأعشى يخاطب يزيد بن مسهر الشيباني وكانت بينهما مهاجاة: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم فقال: شرقت وهي منسوبة إلى (صدر). ومعنى البيت: يعود عليك مكروه ما أذعته عني من القول وما نسبته إلى من الفعل القبيح فلا تجد منه مخلصا، والإنسان يشرق بالماء كما يغص بالطعام.
[6580]:هذا عجز بيت من أبيات قالها يمدح الأنصار بعد أن عاتبوه على الغض – من شأنهم في قصيدته المشهورة " بانت سعاد"، وهو بتمامه: صدموا الكتيبة يوم بدر صدمة ذلت لوقعتهـــــا جميع نزار. ويروى البيت: "زلت لوقعتها رقاب نزار"، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

فصْل جملة { قال قائل } جار على طريقة المقاولات والمحاورات ، كما تقدّم في قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) .

وهذا القائل أحد الإخوة ولذلك وصف بأنّه منهم .

والعدول عن اسمه العَلَم إلى التنكير والوصفيّة لعدم الجدوى في معرفة شخصه وإنّما المهمّ أنّه من جماعتهم . وتجنّباً لما في اسمه العلم من الثقل اللفظي الذي لا داعي إلى ارتكابه . قيل : إنّه ( يهوذا ) وقيل : ( شمعون ) وقيل ( روبين ) ، والذي في سفر التّكوين من التّوراة أنه ( راوبين ) صدّهم عن قتله وأن يهوذا دل عليه السيارة كما في الإصحاح37 . وعادة القرآن أن لا يذكر إلاّ اسم المقصود من القصّة دون أسماء الذين شملتهم ، مثل قوله : { وقال رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعون } [ سورة غافر : 28 ] .

والإلقاء : الرمي .

والغيابات : جمع غيابة ، وهي ما غاب عن البصر من شيء . فيقال : غيابة الجبّ وغيابة القبر والمراد قعر الجبّ .

والجبّ : البئر التي تحفر ولا تطوى .

وقرأ نافع ، وأبو جعفر غيابات بالجمع . ومعناه جهات تلك الغيابة ، أو يجعل الجمع للمبالغة في ماهية الاسم ، كقوله تعالى : { أوْ كظلماتتٍ في بحرٍ لجّيّ } [ سورة النور : 40 ] وقرأ الباقون { في غيابة الجبّ } بالإفراد .

والتّعريف في { الجبّ } تعريف العهد الذهني ، أي في غيابة جب من الجباب مثل قولهم : ادخل السوق . وهو في المعنى كالنكرة .

فلعلّهم كانوا قد عهدوا جباباً كائنة على أبعاد متناسبة في طرق أسفارهم يأوون إلى قربها في مراحلهم لسقي رواحلهم وشربهم ، وقد توخوا أنْ تكون طرائقهم عليها ، وأحسب أنّها كانت ينصب إليها ماء السيول ، وأنّها لم تكن بعيدة القعر حيث علموا أنّ إلقاءه في الجبّ لا يهشّم عظامه ولا ماء فيه فيغرقه .

و { يلتقطه } جواب الأمر في قوله : { وألقوه } . والتّقدير : إن تلقوه يلتقطه . والمقصود من التسبب الذي يفيده جواب الأمر إظهار أنّ ما أشار به القائل من إلقاء يوسف عليه السّلام في غيابة جبّ هو أمثل ممّا أشار به الآخرون من قتله أو تركه بفيفاء مهلكة لأنّه يحصل به إبعاد يوسف عليه السّلام عن أبيه إبعاداً لا يرجى بعدَه تلاقيهما دون إلحاق ضرّ الإعدام بيوسف عليه السّلام ؛ فإنّ التقاط السيّارة إياه أبقى له وأدخل في الغرض من المقصود لهم وهو إبعاده ، لأنّه إذا التقطه السيّارة أخذوه عندهم أو باعوه فزاد بعداً على بعد .

والالتقاط : تناول شيء من الأرض أو الطريق ، واستعير لأخذ شيء مضاع .

والسيّارة : الجماعة الموصوفة بحالة السّير وكثرته ، فتأنيثه لتأويله بالجماعة التي تسير مثل الفلاّحة والبَحّارة .

والتعريف فيه تعريف العهد الذهني لأنّهم علموا أنّ الطريق لا تخلو من قوافل بين الشام ومصر للتّجارة والميرة .

وجملة { إن كنتم فاعلين } شرط حذف جوابه لدلالة { وألقوه } ، أي إن كنتم فاعلين إبعاده عن أبيه فألْقوه في غيابات الجبّ ولا تقتلوه .

وفيه تعريض بزيادة التريّث فيما أضمروه لعلّهم يرون الرجوع عنه أولى من تنفيذه ، ولذلك جاء في شرطه بحرف الشرط وهو { إنْ } إيماء إلى أنّه لا ينبغي الجزم به ، فكَانَ هذا القائل أمثل الإخوة رأياً وأقربهم إلى التّقوى ، وقد علموا أنّ السيّارة يقصدون إلى جميع الجباب للاستقاء ، لأنّها كانت محتفرة على مسافات مراحل السفر . وفي هذا الرأي عبرة في الاقتصاد من الانتقام والاكتفاء بما يحصل به الغرض دون إفراط .