معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

قوله : { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ 10 } ،

واحدة . وقد قرأ أهل الحجاز ( غَياَبَاتِ ) على الجمع ، { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } ، قرأه العامّة بالياء ؛ لأن ( بعض ) ذكر ، وإن أُضيف إلى تأنيث . وقد قرأ الحسن - فيما ذُكِر عنه - ب : ذكروا ( تَلْتَقِطْهُ ) ، بالتاء ، وذلك أنه ذهب إلى السَّيارة . والعرب إذا أضافت المذكّر إلى المؤنّث وهو فعل له أو هو بعض له قالوا فيه بالتأنيث والتذكير . وأنشدونا :

على قبضة موجوءة ظهر كفّه *** فلا المرء مُسْتحىٍ ولا هو طاعم

ذهب إلى الكفّ وألغى الظهر ؛ لأن الكف يُجزئ من الظهر ، فكأنه قال : موجوءة كفُّه . وأنشدني العُكْلِىّ أبو ثَرْوان :

أرى مَرَّ السنين أخذن منى *** كما أخَذ السِّرار من الهلال

وقال ابن مقبِل :

قد صرَّح السير عن كُتْمان وابتُذلتْ *** وَقْعُ المحاجن بالمَهْرِيَّة الذُقُنِ

أراد : وابتذلت المحاجن وألغى الوقع . وأنشدني الكسائي :

إذا ماتَ منهم سَيّد قام سَيّد *** فَدانَتْ له أهل القُرَى والكنائسِ

ومنه قول الأعشى :

وتَشرَقُ بالقول الذي قد أذعْتَه *** كما شرِقت صدرُ القناة منَ الدَّم

وأنشدني يونس البصرىّ :

لما أتى خبرُ الزُبَير تهدّمت *** سورُ المدينة والجبالُ الخُشّعُ

وإنما جاز هذا كلّه لأن الثاني يكفي مِن الأوَّل ؛ ألا ترى أنه لو قال : تلتقطه السيَّارة ، لجاز وكفي من ( بعض ) ، ولا يجوز أن يقول : قد ضربْتني غلامُ جاريتك ؛ لأنك لو ألقيت الغلام لم تدلّ الجارية على معناه .