السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

{ قال قائل منهم } هو يهوذا وكان أحسنهم رأياً فيه ، وهو الذي قال : { فلن أبرح الأرض } [ يوسف ، 80 ] وقيل : روبيل وكان أكبرهم سناً { لا تقتلوا يوسف وألقوه } ، أي : اطرحوه { في غيابت الجب } ، أي : في أسفله وظلمته ، والغيابة كل موضع ستر شيئاً وغيبه عن النظر قال القائل :

فإن أنا يوماً غيبتني غيابتي *** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

أراد غيابة حفرته التي يدفن فيها ، والجب البئر الكبيرة التي ليست مطوية سميت جباً لأنها قطعت قطعاً ولم يحصل فيها شيء غير القطع من طيّ أو ما أشبهه ، وإنما ذكر الغيابة مع الجب دلالة على أن المشير أشار بطرحه في موضع مظلم من الجب لا يلحقه نظر الناظرين . قال بعض أهل العلم : إنهم عزموا على قتله وعصمه الله تعالى رحمة بهم ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، واختلف في موضع ذلك الجب ، فقال قتادة : هو ببيت المقدس وقال وهب : هو بأرض الأردن . وقال مقاتل : هو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب . وقرأ نافع بألف بين الباء والتاء على الجمع والباقون بغير ألف على التوحيد { يلتقطه } ، أي : يأخذه { بعض السيارة } جمع سيار ، أي : المبالغ في السير ، وذلك الجب كان معروفاً يرد عليه كثير من المسافرين ، فإذا أخذوه ذهبوا به إلى ناحية أخرى فنستريح منه { إن كنتم فاعلين } ، أي : ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك . ولما أجمعوا على التفريق بين يوسف وأبيه بضرب من الحيل .