جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال قائل من إخوة يوسف : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، وقيل : إن قائل ذلك : روبيل ، كان ابن خالة يوسف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، ذكر لنا أنه روبيل ، كان أكبر القوم ، وهو ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { اقْتُلُوا يُوسُفَ . . . } ، إلى قوله : { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، قال : ذكر لي ، والله أعلم ، أن الذي قال ذلك منهم : روبيل ، الأكبر من بني يعقوب ، وكان أقصدهم فيه رأيا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : كان أكبر إخوته ، وكان ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

وقيل : كان قائل ذلك منهم : شمعون . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : { قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : هو شمعون .

وقوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ } ، يقول : وألقوه في قعر الجبّ حيث يغيب خبره .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة : { غَياباتِ الجُبّ } ، على الجماع . وقرأ ذلك عامة قرّاء سائر الأمصار : { غَيابَةِ الجُبّ } ، بتوحيد الغيابة . وقراءة ذلك بالتوحيد أحبّ إليّ .

والجبّ : بئر . وقيل : إنه اسم بئر ببيت المقدس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الُجْبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

والغيابة : كل شيء غيب شيئا فهو غيابة ، والجبّ : البئر غير المطوية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، في بعض نواحيها : في أسفلها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يقول : في بعض نواحيها .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : قالها كبيرهم الذي تخلف . قال : والجبّ : بئر بالشام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يعني : الركية .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : الجبّ : البئر .

وقوله : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، يقول : يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين . { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، يقول : إن كنتم فاعلين ما أقول لكم . فذكر أنه التقطه بعض الأعراب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، قال : التقطه ناس من الأعراب .

وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ : { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، بالتاء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، عن مطر الورّاق ، عن الحسن .

وكأن الحسن ذهب في تأنيثه بعض السيارة إلى أن فعل بعضها فعلها ، والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن المضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرا عن جميعه ، وذلك كقول الشاعر :

أرَى مَرّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنّي *** كمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

فقال : «أخذن مني » ، وقد ابتدأ الخبر عن المراد ، إذ كان الخبر عن المرّ خبرا عن السنين ، وكما قال الاَخر :

إذا ماتَ مِنْهُمْ سَيّدٌ قامَ سَيّدٌ *** فَدَانَتْ لهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ

فقال : «دانت له » ، والخبر عن أهل القرى ، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى . ومن قال ذلك ، لم يقل : فدانت له غلام هند ، لأن الغلام لو ألقى من الكلام لم تدلّ هند عليه ، كما يدل الخبر عن القرية على أهلها . وذلك أنه لو قيل : فدانت له القرى ، كان معلوما أنه خبر عن أهلها ، وكذلك بعض السيارة ، لو ألقى البعض ، فقيل : تلتقطه السيارة ، علم أنه خبر عن البعض أو الكلّ ، ودلّ عليه الخبر عن السيارة .