قوله تعالى : { ويوم نسير الجبال } ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو وابن عامر : ( سير ) بالتاء وفتح الياء الجبال رفع ، دليله : قوله تعالى : { وإذا الجبال سيرت } [ التكوير – 3 ] . وقرأ الآخرون بالنون وكسر الياء ، الجبال نصب ، وتسيير الجبال : نقلها من مكان إلى مكان . { وترى الأرض بارزةً } أي : ظاهرة ليس عليها شجر ، ولا جبل ، ولا نبات ، كما قال : { فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } [ طه – 107 ] . قال عطاء : هو بروز ما في باطنها من الموتى وغيرهم ، فترى باطن الأرض ظاهراً . { وحشرناهم } جميعاً إلى الموقف والحساب { فلم نغادر منهم } أي : نترك منهم { حداً } .
والظرف فى قوله : - تعالى - { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال } منصوب بفعل محذوف تقديره : " اذكر " .
والمراد بتسيير الجبال : اقتلاعها من أماكنها ، وصيرورتها كالعهن المنفوش .
أى : واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ ، أهوال يوم القيامة ، يوم نقتلع الجبال من أماكنها ، ونذهب بها حيث شئنا ، ونجعلها فى الجو كالسحاب ، كما قال - سبحانه - : { وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب } وكما قال - عز وجل - : { وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً } وقوله : { وَتَرَى الأرض بَارِزَةً . . } بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة .
أى : وترى - أيها المخاطب - الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شئ من جبل ، أو شجر ، أو بنيان .
يقال : برز الشئ برزوا ، أى : خرج إلى البراز - بفتح الباء - أى : الفضاء وظهر بعد الخفاء .
قال - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة } ثم بين - سبحانه - حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } .
أى : وحشرنا الخلائق جميعا ، بأن جمعناهم فى المكان المحدد لجمعهم ، دون أن نترك منهم أحدا ، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم .
والفعل { نغادر } من المغادرة بمعنى الترك ، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا ، لأن السيل ذهب وتركه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُواْ عَلَىَ رَبّكَ صَفّاً لّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لّن نّجْعَلَ لَكُمْ مّوْعِداً } .
يقول تعالى ذكره : وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجِبالَ عن الأرض ، فَنبسّها بَسّا ، ونجعلها هباء منبثا وَتَرَى الأرْضَ بارِزَةً ظاهرة ، وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر هو بروزها . وبنحو ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَتَرى الأرْضَ بارِزَةً قال : لا خَمَر فيها ولا غيابة ولا بناء ، ولا حجر فيها .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَتَرى الأرْضَ بارِزَةً ليس عليها بناء ولا شجر .
وقيل : معنى ذلك : وترى الأرض بارزا أهلها الذين كانوا في بطنها ، فصاروا على ظهرها . وقوله وَحَشْرناهُمْ يقول : جمعناهم إلى موقف الحساب فَلَمْ نُغادِرُ مِنْهُمْ أحَدا ، يقول : فلم نترك ، ولم نبق منهم تحت الأرض أحدا ، يقال منه : ما غادرت من القوم أحدا ، وما أغدرت منهم أحدا ، ومن أغدرت قول الراجز :
هَلْ لكِ والعارِضُ مِنْكِ عائِضُ *** فِي هَجْمَةٍ يُغْدِرُ مِنْها القابِضُ
وقوله تعالى : { ويوم نسير الجبال } الآية التقدير : واذكر يوم ، وهذا أفصح ما يتأول في هذا هنا ، وقرأ نافع والأعرج وشيبة وعاصم وابن مصرف وأبو عبد الرحمن «نسير » بنون العظمة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى : «تسيَّر » بالتاء ، وفتح الياء المشددة «الجبالُ » رفع ، وقرأ الحسن : «يُسيَّر » بياء مضمونة ، والثانية مفتوحة مشددة ، «الجبال » رفعاً ، وقرأ ابن محيصن «تَسِير » : بتاء مفتوحة وسين مكسورة ، أسند الفعل إلى «الجبال » ، وقرأ أبي بن كعب «ويوم سيرت الجبال » .
وقوله { بارزة } إما أن يريد أن الأرض ، لذهاب الجبال والظراب والشجر ، برزت وانكشفت ، وإما أن يريد : بروز أهلها ، والمحشورين من سكان بطنها { وحشرناهم } أي أقمناهم من قبورهم ، وجعلناهم لعرضة القيامة ، وقرأ الجمهور «نغادر » بنون العظمة ، وقرأ قتادة : «تغادر » على الإسناد إلى القدرة أو إلى الأرض ، وروى أبان بن يزيد عن عاصم : «يغادَر » بياء وفتح الدال «أحدُ » بالرفع ، وقرأ الضحاك «فلم نُغْدِر » بنون مضمومة وكسر الدال وسكون الغين ، والمغادرة : الترك ، ومنه غدير الماء ، وهو ما تركه السيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.