قوله تعالى :{ ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا . وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا . ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا }
اعلم أنه تعالى لما بين خساسة الدنيا وشرف القيامة أردفه بأحوال القيامة فقال : { ويوم نسير الجبال } والمقصود منه الرد على المشركين الذي افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأعوان واختلفوا في الناصب لقوله : { ويوم نسير الجبال } على وجوه : أحدها : أنه يكون التقدير واذكر لهم : { يوم نسير الجبال } عطفا على قوله : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } . الثاني : أنه يكون التقدير : { ويوم نسير الجبال } حصل كذا وكذا يقال لهم : { لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } لأن القول مضمر في هذا الموضع فكان المعنى أنه يقال لهم : هذا في هذا الموضع . الثالث : أن يكون التقدير { خير أملا } في { يوم نسير الجبال } والأول أظهر . إذا عرفت هذا فنقول : إنه ذكر في الآية من أحوال القيامة أنواعا . النوع الأول : قوله : { ويوم نسير الجبال } وفيه بحثان :
البحث الأول : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير على فعل ما لم يسم فاعله الجبال بالرفع بإسناد تسير إليه اعتبارا بقوله تعالى : { وإذا الجبال سيرت } والباقون نسير بإسناد فعل التسيير إلى نفسه ( تعالى و ) الجبال بالنصب لكونه مفعول نسير ، والمعنى نحن نفعل بها ذلك اعتبارا بقوله : { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } والمعنى واحد لأنها إذا سيرت فمسيرها ليس إلا الله سبحانه . ونقل صاحب « الكشاف » قراءة أخرى وهي تسير الجبال بإسناد تسير إلى الجبال .
البحث الثاني : قوله : { ويوم نسير الجبال } ليس في لفظ الآية ما يدل على أنها إلى أين تسير ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك الموضع لخلقه والحق أن المراد أنه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } ولقوله : { وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا } والنوع الثاني : من أحوال القيامة قوله تعالى : { وترى الأرض بارزة } وفي تفسيره وجوه : أحدها : أنه لم يبق على وجهها شيء من العمارات ، ولا شيء من الجبال ، ولا شيء من الأشجار ، فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها ، وهو المراد من قوله : { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } . وثانيها : أن المراد من كونها بارزة أنها أبرزت ما في بطنها وقذفت الموتى المقبورين فيها فهي بارزة الجوف والبطن فحذف ذكر الجوف ، ودليله قوله تعالى : { وألقت ما فيها وتخلت } وقوله : { وأخرجت الأرض أثقالها } وقوله : { وبرزوا لله جميعا } . وثالثها : أن وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال والبحار ، فلما أفنى الله تعالى الجبال والبحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة .
والنوع الثالث : من أحوال القيامة قوله : { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } والمعنى جمعناهم للحساب فلم نغادر منهم أحدا ، أي لم نترك من الأولين والآخرين أحدا إلا وجمعناهم لذلك اليوم ، ونظيره قوله تعالى : { قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } ومعنى لم نغادر لم نترك ، يقال : غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر ترك الوفاء ، ومنه الغدير لأنه ما تركته السيول ، ومنه سميت ضفيرة المرأة بالغديرة لأنها تجعلها خلفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.