فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةٗ وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} (47)

{ ويوم نسير الجبال } بالنون على أن فاعله هو الله سبحانه ، وقرئ بالتحتية وبالفوقية على أن الجبال فاعل ، ويناسب الأولى قوله تعالى : { وإذا الجبال سيرت } ويناسب الثانية قوله تعالى { وتسير الجبال سيرا } ومعنى تسيير الجبال إزالتها من أماكنها ، وتسييرها كما تسير السحاب ، ومنه قوله تعالى { وهي تمر مر السحاب } ثم تعود إلى الأرض بعد أن جعلها الله كما قال { وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا } والمعنى نذهب بها عن وجه الأرض ونجعلها هباء منثورا كما يسير السحاب .

والخطاب في قوله { وترى الأرض بارزة } لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للرؤية ، والرؤية البصرية ، ومعنى بروزها ظهورها وزوال ما يسترها من الجبال والشجر والبنيان .

وقيل المراد ببروزها بروز ما فيها من الكنوز والأموات كما قال سبحانه { وألقت ما فيها وتخلت } وقال { وأخرجت الأرض أثقالها } فيكون المعنى وترى الأرض بارزا ما في جوفها . قال قتادة : ليس عليها بناء ولا شجر ولا بحر ولا حيوان وعن مجاهد نحوه .

{ وحشرناهم } أي الخلائق ، ومعنى الحشر الجمع أي جمعناهم إلى الموقف من كل مكان وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ماض مراد به المستقبل أي ونحشرهم ، وكذلك وعرضوا ووضع الكتاب الآتيان . والثاني : أن الواو للحال أي نفعل التسيير في حال حشرهم ليشاهدوا تلك الأهوال ، والثالث : للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال ، قاله الزمخشري . قال الشيخ : والأولى أن تكون الواو للحال .

{ فلم نغادر } فلم نترك { منهم أحدا } و المفاعلة هنا ليس فيها مشاركة ، يقال غادره وأغدره إذا تركه ، ومنه الغدر ، لأن الغادر يترك الوفاء للمغدور ؛ قالوا : وإنما سمي الغدير غديرا لأن الماء ذهب وتركه والسيل غادره ، ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها ، والغديرة الشعر الذي نزل حتى طال .