تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةٗ وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} (47)

الآية47 : وقوله تعالى : { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } يذكرهم ، جل ، وعلا ، بشدة{[11635]} أهوال ذلك اليوم و أفزاعه حين{[11636]} سار أثبت شيء رأوا في الدنيا ، وتكسر أصلب شيء رأوا في الدنيا ، وهو الجبال لشدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه .

وقال في آية أخرى : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } { وتكون الجبال كالعهن المنفوش }( القارعة : 4 و5 ) .

وقال في آية أخرى : { وكانت الجبال كثيبا مهيلا } ( المزمل : 14 ) وقال في آية أخرى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } ( النمل : 88 ) وقال في آية أخرى { هباءا منثورا ( الفرقان : 23 ) وأمثاله .

يذكرهم بشدة{[11637]} أهوال ذلك اليوم وأفزاعه حين{[11638]} صار أثبت شيء في الدنيا وأشد على الوصف الذي ذكره( ومن دون ){[11639]} هذه الأهوال والأفزاع التي ذكر لا تقوم أنفس البشر في الدنيا . فقيامها بمثل هذه الأهوال التي ذكر أحرى ألا تقوم .

ألا ترى أن موسى ، صلوات الله عليه ، كان أشد الناس وأقوى البشر ، ثم لم تقم نفسه لاندكاك الجبل حتى صعق{[11640]} ؟ إلا أن الله حكم أن الإهلاك يومئذ بعد ما أحياهم ، وإلا كانت أنفسهم لا تقوم بدون ما ذكر من الأهوال .

ثم ذكر من أحوال الجبال يكون ذلك في اختلاف الأحوال والأوقات ، يكون في ابتداء ذلك اليوم ما ذكر أنها تسير وأنهم يرونها جامدة ، وهي ليست بجامدة ، ثم تصير كثيبا مهيلا ، ثم تصير كالعهن المنفوش في وقت ، ثم تصير هباء منثورا ، يكون على الأحوال التي ذكر على اختلاف الأحوال والأوقات على قدر الشدة والهول ، والله أعلم .

ثم يحتمل قوله : { وترى الجبال تحبسها جامدة وهي ثمر مر السحاب }( النحل : 88 ) بشدة ذلك اليوم ( وجهين :

أحدهما : ){[11641]} تتراءى كأنها جامدة ، وهي تمُرُّ مَرَّ السحاب ، وقد يتراءى في الشاهد مثله للهول والفزع .

والثاني : تتراءى لازدحام الجبال واجتماعها ، وقد يتراءى في الشاهد السائر كالجامد والساكن للكثرة والازدحام مثل عسكر عظيم يسير ، يراه الناظر إليه كأنه ساكن لا يسير . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .

ثم يحتمل أن تكون هذه الأهوال التي ذكر لأهل الكفر والعصاة منهم ، فأما أهل الإيمان والإحسان يكونون في أمن وعافية من تلك الأهوال كقوله : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا } الآية ( فصلت : 30 ) .

وقوله تعالى : { وترى الأرض بارزة } أي ظاهرة ، ليس عليها بناء ولا شجر ولا جبال و لا حجر ولا شيء ؛ تصير مستوية على ما ذكرنا { قاعا صفصفا } { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } ( طه : 16و17 ) ويحتمل قوله : { وترى الأرض بارزة } أي يكون أهلها بارزين له كقوله : { وبرزوا لله جميعا } ( إبراهيم : 21 ) .

وقوله تعالى : { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } أي يجمعهم جميعا كقوله { قل إن الأولين والآخرين } { لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } ( الواقعة : 49 و50 ) .


[11635]:في الأصل و.م:عن شدة.
[11636]:في الأصل و.م: حيث.
[11637]:في الأصل و.م: عن شدة.
[11638]:في الأصل و.م: حيث.
[11639]:في الأصل و.م: وبدون.
[11640]:إشارة إلى قوله تعالى:{وخر موسى صعقا}(الأعراف:143).
[11641]:ساقطة من الأصل و.م.