إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةٗ وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} (47)

{ وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال } منصوبٌ بمضمر أي اذكرْ حين نقلَعُها من أماكنها ونسيّرها في الجو على هيئاتها كما ينبئ عنه قوله تعالى : { وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب } أو نسير أجزاءَها بعد أن نجعلها هباءً مُنْبَثّاً ، والمرادُ بتذكيره تحذيرُ المشركين مما فيه من الدواهي ، وقيل : هو معطوفٌ على ما قبله من قوله تعالى : { عِندَ رَبّكَ } أي الباقياتُ الصالحات خيرٌ عند الله ويومَ القيامة . وقرئ تُسيَّر على صيغة البناء للمفعول من التفعيل جرياً على سنن الكِبرياءِ وإيذاناً بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعيُّنه ، وقرئ تَسِير { وَتَرَى الأرض } أي جميعَ جوانبها والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ ممن يتأتّى منه الرؤيةُ ، وقرئ تُرَى على صيغة البناء للمفعول { بَارِزَةً } أما بروزُ ما تحت الجبال فظاهرٌ ، وأما ما عداه فكانت الجبالُ تحول بينه وبين الناظرِ قبل ذلك ، فالآن أضحى قاعاً صفْصِفاً لا ترى فيها عِوَجاً أمْتاً { وحشرناهم } جمعناهم إلى الموقف من كل أَوْب . وإيثارُ صيغةِ الماضي بعد نسيّر وتَرى للدِلالة على تحقق الحشْرِ المتفرِّع على البعث الذي يُنكره المنكرون ، وعليه يدورُ أمرُ الجزاءِ وكذا الكلام فيما عطف عليه منفياً وموجَباً ، وقيل : هو للدَّلالة على أن حشْرهم قبل التسيير والبروزِ ليعاينوا تلك الأهوالَ ، كأنه قيل : وحشرناهم قبل ذلك { فَلَمْ نُغَادِرْ } أي لم نترُك { مّنْهُمْ أَحَداً } يقال : غادره إذا تركه ومنه الغدْرُ الذي هو تركُ الوفاءِ والغديرُ الذي هو ماءٌ يتركه السيلُ في الأرض الغائرةِ ، وقرئ بالياء وبالفوقانية على إسناد الفعل إلى ضمير الأرض كما في قوله تعالى : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } .