ولما بيّن سبحانه وتعالى خساسة الدنيا وشرف الآخرة أردفه بأحوال يوم القيامة وذكر منها أنواعاً النوع الأوّل قوله تعالى : { ويوم } أي : واذكر لهم يوم { نسير } بأيسر أمر { الجبال } عن وجه الأرض بعواصف القدرة كما نسير نبات الأرض بعد أن صار هشيماً بالرياح كما قال تعالى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب } [ النمل ، 88 ] .
تنبيه : ليس في لفظ الآية ما يدل إلى أين تسير ، قال الرازي : ويحتمل أن يقال : إن الله يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك لخلقه ، والحق أنّ المراد أنّ اللّه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً 105 فيذرها قاعاً صفصفاً 106 لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } [ طه ، 105 ، 106 ] ولقوله : { وبست الجبال بساً 5 فكانت هباء منبثاً } [ الواقعة ، 5 ، 6 ] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم التاء الفوقية وفتح الياء التحتية بعد السين على فعل ما لم يسم فاعله ورفع الجبال بإسناد تسير إليها كما في قوله تعالى : { وإذا الجبال سيرت } [ التكوير ، 3 ] والباقون بالنون المضمومة وكسر الياء التحتية بعد السين بإسناد فعل التسيير إليه تعالى نفسه ونصب الجبال لكونه مفعول نسير والمعنى نحن نفعل بها ذلك اعتباراً بقوله تعالى : { وحشرناهم } والمعنى واحد لأنها إذا سيرت فمسيرها ليس إلا اللّه تعالى .
النوع الثاني قوله تعالى : { وترى الأرض } بكمالها { بارزة } لا غار فيها ولا صدع ولا جبل ولا نبت ولا شجر ولا ظل فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها وهو المراد من قوله تعالى : { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } [ طه ، 106 ] وقيل : إنها أبرزت ما في بطنها وقذفت الموتى المقبورين فيها فإذا هي بارزة الجوف والبطن فحذف ذكر الجوف كما قال تعالى : { وألقت ما فيها وتخلت } [ الانشقاق ، 4 ] وقال تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } [ الزلزلة ، 2 ] .
النوع الثالث قوله تعالى : { وحشرناهم } أي : الخلائق قهراً إلى الوقت الذي تنكشف فيه المخبآت وتظهر القبائح والمغيبات ويقع الحساب فيه على النقير والقطمير والناقد فيه بصير { فلم نغادر } أن نترك { منهم } أي : الأوّلين والآخرين { أحداً } لأنه لا ذهول ولا عجز ، ونظيره قوله تعالى : { قل إن الأولين والآخرين 49 لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } [ الواقعة : 49 ، 50 ] فإن قيل : لم جيء فحشرناهم ماضياً بعد نسير وترى ؟ أجيب : بأن ذلك يقال للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال العظائم ، كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.