قوله تعالى : { وقالوا } يعني مشركي مكة ، { قلوبنا في أكنة } في أغطية ، { مما تدعونا إليه } فلا نفقه ما تقول ، { وفي آذاننا وقر } صمم فلا نسمع ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عندك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ، { ومن بيننا وبينك حجاب } خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول ، { فاعمل } أنت على دينك ، { إننا عاملون } على ديننا .
ثم حكى - سبحانه - أقوالهم التى تدل على توغلهم فى الكفر والعناد فقال : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ } ، والأكنة : جمع كنان وهو الغطاء للشئ . و { وَقْرٌ } الصمم الذى يحول بين الإِنسان وبين سماع ما يقال له .
والحجاب : من الحجب بمعنى الستر لأنه يمنع المشاهدة ، ومنه قيل للبواب حاجب ، لأنه يمنع من الدخول .
أى : وقال الكافرون للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل تيئيسه من إيمانهم : إن قلوبنا قد كستها أغطية متكاثفة جعلتها لا تفقه ما تقوله لنا ، وما تدعونا إليه ، وإن آذاننا فيها صمم يحول بيننا وبين سماع حديثك ، وإن من بيننا ومن بينك حاجزا غليظا يحجب التواصل والتلاقى بيننا وبينك ، وما دام حالنا وحالك كذلك فاعمل ما شئت فيما يتعلق بدينك ، ونحن من جانبنا سنعمل ما شئنا فيما يتعلق بديننا .
وهذه الأقوال التى حكاها القرآن عنهم ، تدل على أنهم قوم قد بلغوا أقصى درجات الجحود والعناد : فقلوبهم قد أغلقت عن إدراك الحق ، وأسماعهم قد صمت عن سماعه ، وأشخاصهم قد أبت الاقتراب من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يحمل لهم الخير والنور ، وما حملهم على ذلك إلا اتباعهم للهوى والشيطان .
وصدق الله إذ يقول : { فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيَ أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنّنَا عَامِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون المعرضون عن آيات الله من مشركي قريش إذ دعاهم محمد نبيّ الله إلى الإقرار بتوحيد الله وتصديق ما في هذا القرآن من أمر الله ونهيه ، وسائر ما أنزل فيه قُلُوبُنا في أكِنّةٍ يقول : في أغطية مِمّا تَدْعُونا يا محمد إلَيهِ من توحيد الله ، وتصديقك فيما جئتنا به ، لا نفقه ما تقول وفي آذانِنا وَقْرٌ وهو الثقل ، لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالاً لما يدعو إليه وكراهة له . وقد مضى البيان قبل عن معاني هذه الأحرف بشواهده ، وذكر ما قال أهل التأويل فيه ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع . وقد :
حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : قُلُوبُنا في أكِنّةٍ قال : عليها أغطية كالجَعْبَة للنّبْل .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أكِنّةٍ قال : عليها أغطية وفِي آذَانِنا وَقْرٌ قال : صمم .
وقوله : وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ يقولون : ومن بيننا وبينك يا محمد ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت ، فيرى بعضنا بعضا ، وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين ، لأن دينهم كان عبادة الأوثان ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم عبادة الله وحده لا شريك له ، فذلك هو الحجاب الذي زعموا أنه بينهم وبين نبيّ الله ، وذلك هو خلاف بعضهم بعضا في الدين .
وقوله : فاعْمَلْ إنّنا عامِلُونَ يقول : قالوا : له صلى الله عليه وسلم : فاعمل يا محمد بدينك وما تقول إنه الحقّ ، إننا عاملون بديننا ، وما تقول إنه الحقّ ، ودع دعاءنا إلى ما تدعونا إليه من دينك ، فإنا ندع دعاءك إلى ديننا . وأدخلت «من » في قوله وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ والمعنى : وبيننا وبينك حجاب ، توكيدا للكلام .
ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كل المباعدة ، وأرادوا بها أن يؤيسوه من قبولهم دينه ، وهي { قلوبنا في أكنة } جمع كنان وهو باب فعال وأفعلة . والكنان : ما يجمع الشيء ويضمه ويحول بينه وبين غيره ، ومنه : الكن ومنه : كنانة النبل ، وبها فسر مجاهد هذه الآية . و «من » في قوله : { مما } لابتداء الغاية وكذلك هي في قوله : { ومن بيننا } مؤكدة ولابتداء الغاية{[10035]} . والوقر : الثقل في الأذن الذي يمنع السمع .
وقرأ ابن مصرف : «وِقر » بكسر الواو .
والحجاب : الذي أشاروا إليه : هو مخالفته إياهم ودعوته إلى الله دون أصنامهم ، أي هذا أمر يحجبنا عنك ، وهذه مقالة تحتمل أن تكون معها قرينة الجد في المحاورة وتتضمن المباعدة ، ويحتمل أن تكون معها قرينة الهزل والاستخفاف ، وكذلك قوله : { فاعمل إننا عاملون } يحتمل أن يكون القول تهديداً ، ويحتمل أن يكون متاركة محضة .
وقرأ الجمهور : «قل إنما » على الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش : «قل إنما » على المضي والخبر عنه ، وهذا هو الصدع بالتوحيد والرسالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.