الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وقالوا قلوبنا في أكنة } قالوا : كالجعبة للنبل .

وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري في حديثه من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله { وقالوا قلوبنا في أكنة . . } الآية . قال : " أقبلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم ما يمنعكم من الإِسلام فتسودوا العرب ؟ فقالوا : يا محمد ما نفقه ما تقول ، ولا نسمعه ، وإن على قلوبنا لغلفا . وأخذ أبو جهل ثوباً فمده فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } .

قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى خصلتين . أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وإني رسول الله . فلما سمعوا شهادة أن لا إله إلا الله { ولوا على أدبارهم نفوراً } [ الإسراء : 46 ] وقالوا { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } [ ص : 5 ] وقال بعضهم لبعض { امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ، أأنزل عليه الذكر من بيننا } [ ص : 7 ] .

وهبط جبريل فقال : يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول : أليس يزعم هؤلاء أن على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر فليس يسمعون قولك ؟ كيف { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } [ الإسراء : 46 ] لو كان كما زعموا لم ينفروا ولكنهم كاذبون يسمعون ولا ينتفعون بذلك كراهية له » .

فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أعرض علينا الإسلام ، فلما عرض عليهم الإِسلام أسلموا عن آخرهم ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحمد لله ، ألستم بالأمس تزعمون أن على قلوبكم غلفاً ، وقلوبكم في أكنة مما ندعوكم إليه ، وفي آذانكم وقراً وأصبحتم اليوم مسلمين فقالوا : يا رسول الله كذبنا والله بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا أبداً ، ولكن الله الصادق والعباد الكاذبون عليه ، وهو الغني ونحن الفقراء إليه " .