بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ } يعني : في غطاء لا نفقه ما تقول ، { مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } من التوحيد لا يصل إلى قلوبنا ، { وفي آذاننا وقر } يعني : ثقلاً فلا نسمع قولك . يعني : نحن في استماع قولك ، كالصم لا نسمع ما تقول ، { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } أي ستر ، وغطاء ، { فاعمل إِنَّنَا عاملون } يعني : اعمل على أمرك ، نعمل على أمرنا . ويقال : اعمل لإلهك الذي أرسلك ، إننا عاملون لآلهتنا ، وهذا قول مقاتل ، والأول قول الكلبي . ويقال : اعمل في هلاكنا ، إننا عاملون في هلاكك . روى محمد بن كعب القرظي عمن حدثه : أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش : ألا أقُوم إلى هذا الرجل ، وأكلمه ، وأعرض عليه أموراً ، لعله يقبل منا بعضها ، فنعطيه أيها شاء ، ويكف عنا ، وذلك حين رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزيدون ، ويكثرون . فقالوا : بلى يا أبا الوليد . فقام عتبة : حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من المكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت جماعتهم ، وعبت آلهتهم ، ودينهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فإن كنت ، إنما تريد بما جئت به مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالاً ، وإن كنت تريد شرفاً شرفناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه ، أي : خيالاً ، لا تستطيع أن تردّه عنك نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا لك فيه أموالنا حتى نبريك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل ، حتى يداوى منه .

فلما فرغ منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرحمن الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُه } حتى انتهى إلى قوله : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صاعقة مِّثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 13 ] » فقام عتبة ، وجاء إلى أصحابه . فقال بعضهم لبعض : تالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك ؟ قال : سمعت قولاً ما سمعت بمثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة . يا معشر قريش أطيعوني ، وخلوا بيني وبين الرجل ، وبين ما هو فيه . فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . فقال : هذا الرأي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم .