اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

ولما وصف الله تعالى القرآن بأنهم أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه بين أنهمه صرحوا بهذه النفرة ، وذكروا ثلاثة أشياء :

أحدها : قوله : «فِي أَكِنَّةٍ » ، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : هلا قيل : على قلوبنا أكنة ، كما قيل : وفي آذَانِنَا وقر ليكون الكلام على نمطٍ واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ؛ لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : قلوبنا في أكنة ، وعلى قلوبنا أكنة ، والدليل عليه قوله تعالى : ( إنَّا ){[48519]} جعلنا على قُلُوبِهِم ، ولو قيل : جعلنا قلوبهم في أكنةٍ لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منه لا يرون{[48520]} الطباق ( والملاحظة ){[48521]} إلا في المعاني .

قال أبو حيان : و «في » هنا أبلغ من على ، لأنهم قصدوا الإفراط في عدم القبول بحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء كما تقول : المالُ في الكيسِ بخلاف قولك : المالُ على الكيس ، فإنه لا يدل على الحَصر ، وعدم الوصول دلالة الوعاء ، وأما «وجعلنا » فهو من إخبار الله تعالى فلا يحتاج إلى مبالغة{[48522]} .

وتقدم تفسير الأكنة والوقر{[48523]} .

وقرأ طلحة بن مصرف وِقْر{[48524]} بكسر الواو وتقدَّم الفرق بينهما .

قوله : «مِمَّا تَدْعُونَا » من في «مِمَّا » وفي «ومِنْ بَيْننا » لابتداء الغاية والمعنى أن الحِجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ، فلو لم تأتٍ «مِنْ » لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين .

والمقصود المبالغة بالتبايُن المُفرِط ، فلذلك جيء بِمِنْ{[48525]} قاله الزمخشري . وقال أبو البقاء : هو محصول على المعنى ؛ لأن المعنى في أكنة محجوبةٍ عن سماع ما تدعُونا إليه . ولا يجوز أن يكون نعتاً لأَكنَّةٍ ؛ لأن الأكنة الأغشية ، وليس الأغشية مما تدعونا{[48526]} إليه{[48527]} .

فصل

وقالوا : يعنى المشركين قلوبنا في أكنة أغطية ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية جمع غطاء ، والكِنان هو الذي جعل فيه السهام ، والمعنى لا نفقهُ ما تقول ، وفي آذاننا وقر أي صممٌ فلا نسمعُ ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ومن بيننا وبينك حجاب ، خِلاف في الدين ، فلا نوافقك على ما تقول فاعمل أنت على دينك إنّا عاملون على ديننا{[48528]} .


[48519]:سقط من النسختين والصواب إثباتها كما في الكشاف في الآية 57 من الكهف.
[48520]:في الكشاف لا يدعون بدل يرون.
[48521]:تصحيح من الكشاف ففي النسخ: والملاحة وانظر الكشاف 3/443.
[48522]:بتصرف من البحر المحيط 7/484 وباللفظ من الدر المصون 4/817.
[48523]:يشير إلى قوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} [الأنعام: 25] وبين هناك أن الكنان هو الوعاء الجامع، والغطاء الساتر، والوقر هو الثقل في الأذن، والوقر بكسر الواو الحمل للحمار والبغل. بتصرف من اللباب ميكروفيلم.
[48524]:من القراءة الشاذة غير المتواترة ذكرها صاحب الكشاف 3/442، ومختصر ابن خالويه 133 والبحر المحيط 7/483.
[48525]:الكشاف 3/442، 443.
[48526]:في ب تدعون تحريف.
[48527]:التبيان 1123.
[48528]:البغوي في معالم التنزيل 6/105.