فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } الأكنة جمع كنان ، وهو الغطاء أي في أغطية مثل الكنانة التي فيها السهام ، فهي لا تفقه ما تقول من التوحيد ، ولا يصل إليها قولك ، قال مجاهد : الكنان للقلب كالجنة للنبل ، وقد تقدم بيان هذا في البقرة { وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ } أي صمم ، يمنع من استماع قولك ، وأصل الوقر الثقل ، قرئ بكسر الواو وقرئ بفتح الواو والقاف .

{ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } أي ستر { وَمِنْ } لابتداء الغاية ، والمعنى أن الحجاب ابتدئ منا وابتدئ منك ، فالمسافة المتوسطة بين جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب ، لا فراغ فيها ، ولو قيل : بيننا وبينك حجاب ولم تأت لفظة من لكان المعنى أن الحجاب حاصل وسط الجهتين ، والمقصود المبالغة بالتباين المفرط ، فلذلك جيء بمن وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وتقبله واعتقاده ، كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ، ومج أسماعهم له كأن بها صمما عنه ، ولتباعد المذهبين والدينين ، وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن بينهم وما هم عليه ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه حجابا ساترا ، وحاجزا منيعا ، من جبل أو نحوه . فلا تلاقي ولا ترائي .

{ فَاعْمَلْ } أي استمر على دينك وهو التوحيد { إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي مستمرون على ديننا ، وهو الإشراك ، وقال الكلبي : اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك ، وقال مقاتل : اعمل لإلهك الذي أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها ، وقيل : فاعمل لآخرتك فإنا عاملون لدنيانا ، أو فاعمل في إبطال أمرنا فإنا نعمل في إبطال أمرك ،