الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

والأكنة : جمع كنان . وهو الغطاء و«الوقر » بالفتح - الثقل . وقرىء : بالكسر . وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده ، كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ، كقوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ البقرة : 88 ] ومج أسماعهم له كأن بها صمماً عنه ، ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وما هم عليه ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه : حجاباً ساتراً وحاجزاً منيعاً من جبل أو نحوه ، فلا تلاقي ولا ترائي { فاعمل } على دينك { إِنَّنَا عاملون } على ديننا ، أو فاعمل في إبطال أمرنا ، إننا عاملون في إبطال أمرك . وقرىء : «إنا عاملون »

فإن قلت : هل لزيادة ( من ) في قوله : { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فائدة ؟ قلت : نعم ، لأنه لو قيل : وبيننا وبينك حجاب : لكان المعنى : أن حجاباً حاصل وسط الجهتين ، وأما بزيادة ( من ) فالمعنى : أن حجاباً ابتدأ منا وابتدأ منك ، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها .

فإن قلت : هلا قيل : على قلوبنا أكنة ، كما قيل : وفي آذاننا وقر ؛ ليكون الكلام على نمط واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ؛ لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : قلوبنا في أكنة . وعلى قلوبنا أكنة . والدليل عليه قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } ولو قيل : إنا جعلنا قلوبهم في أكنة : لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة إلاّ في المعاني .