السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

ولما وصف الله تعالى القرآن بأنهم أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه بين أنهم صرحوا بهذه النفرة ، وذكر ثلاثة أشياء مذكورة عنهم في قوله تعالى : { وقالوا } أي : عند إعراضهم ممثلين في عدم قبولهم { قلوبنا في أكنة } أي : أغشية محيطة بها والأكنة جمع كنان كأغطية جمع غطاء والكنان هو الذي تجعل فيه السهام والمعنى لا نفقه ما تقول { مما تدعونا } أيها المخبر بأنه نبي { إليه } فلا سبيل إلى الوصول إليها لتفقه أصلاً ، فإن قيل : هلا قالوا على قلوبنا أكنة كما قالوا : { وفي آذاننا } أي : التي نسمع بها وهي أحد الطرق الموصلة إلى القلوب { وقر } أي : ثقل قد أصمها عن سماعه ليكون على نمط واحد ؟ أجيب : بأنه على نمط واحد لأنه لا فرق في المعنى بين قولك قلوبنا في أكنة وعلى قلوبنا أكنة ، والدليل عليه قوله تعالى : { إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة } ( الكهف : 57 ) ولو قيل : إنا جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع { ومن بيننا وبينك حجاب } أي : حاجز من جبل أو نحوه فلا تلاقي ولا ترائي { فاعمل } أي : على دينك { إننا عاملون } على ديننا أو فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك ، فإن قيل : هل لزيادة من في قولهم من بيننا وبينك حجاب فائدة ؟ أجيب : بنعم لأنهم لو قالوا وبيننا وبينك حجاب لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط بين الجهتين ، وإما بزيادة من ، فالمعنى أن الحجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك كلها مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها .