معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

قوله تعالى : { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي } ، قال ابن عباس : " قالت اليهود يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، ثم تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ؟ فأنزل الله هذه الآية " . وقيل : لما نزلت ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) ، قالت اليهود : أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ، فأنزل الله تعالى : ( قل لو كان البحر مداداً ) سمي المداد مدادا لإمداده الكاتب ، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء . قال مجاهد : لو كان البحر مداداً للقلم والقلم يكتب ، { لنفد البحر } أي : ماؤه { قبل أن تنفد } ، قرأ حمزة و الكسائي ينفد بالياء لتقدم الفعل ، والباقون بالتاء { كلمات ربي } أي علمه وحكمه { ولو جئنا بمثله مدداً } ، معناه : لو كان الخلائق يكتبون ، والبحر يمدهم لنفد البحر ولم تنفد كلمات ربي ، ولو جئنا بمثل ماء البحر في كثرته مدداً وزيادة ، نظيره قوله تعالى : { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } [ لقمان – 27 ] .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

وكما افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بالثناء على ذاته ، ختمها - أيضا - بالثناء والحمد ، فقد أثبت - عز وجل - أن علمه شامل لكل شئ . وأن قدرته نافذة على كل شئ ، وأنه - تعالى - هو المستحق للعبادة والطاعة ، فقال : { قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً . . . }

والمراد بالبحر : جنسه ، والمداد فى الأصل : اسم لكل ما يُمَد به الشئ ، واختص فى العرف لما تمد به الدواة من الحبر .

والمراد بكلمات ربى : علمه وحكمته وكلماته التى يصرف بها هذا الكون .

وقوله : { لنفد البحر } : أى لفنى وفرغ وانتهى . يقال : نفد الشئ ينفد نفادا ، إذا فنى وذهب ، ومنه قولهم : أنفد فلان الشئ واستنفده ، أى : أفناه .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : لو كان ماء البحر مدادا للأقلام التى تكتب بها كلمات ربى ومعلوماته وأحكامه . . لنفد ماء البحر ولم يبق منه شئ - مع سعته وغزارته - قبل أن تنفد كلمات ربى ، وذلك لأن ماء البحر ينقص وينتهى أما كلمات الله - تعالى - فلا تنقص ولا تنتهى .

وقوله - سبحانه - : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } زيادة فى المبالغة وفى التأكيد لما قبله من شمول علم الله - تعالى - لكل شئ ، وعدم تناهيه .

أى : وبعد نفاد ماء البحر السابق ، لو جئنا بماء بحر آخر مثله فى السعة والغزارة ، وكتبنا به كلمات الله - تعالى - لنفد - أيضاً - ماء البحر الثانى دون أن تنفد كلمات ربى .

فالآية الكريمة تصور شمول علم الله - تعالى - لكل شئ ، وعدم تناهى كلماته ، تصويراً بديعاً ، يقرب إلى العقل البشرى بصورة محسوسة كمال علم الله - تعالى - وعدم تناهيه .

قال الآلوسى : وقوله : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } : هذا كلام من جهته - تعالى شأنه - غير داخل فى الكلام الملقن ، جئ به لتحقيق مضمونه ، وتصديق مدلوله على أتم وجه . والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة ما ذكر عليها دلالة واضحة :

أى : لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته - تعالى - لو لم نجئ بمثله مدداً ، ولو جئنا بمثله مددا - لنفد أيضاً - .

وقال بعض العلماء : وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان ، لأن هذه الأشياء مخلوقة ، وجميع المخلوقات منقضية منتهية ، وأما كلام الله - تعالى - فهو من جملة صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى ، فأى سعة وعظمة تصورتها القلوب ، فالله - تعالى - فوق ذلك ، وهكذا سائر صفات الله - سبحانه - كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } .

يقول عز ذُكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد : لَوْ كانَ البَحْرُ مِدَادا لِلقلم الذي يُكتب به كَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ ماء البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مددا يقول : ولو مددنا البحر بمثل ما فيه من الماء مددا ، من قول القائل : جئتك مددا لك ، وذلك من معنى الزيادة . وقد ذُكر عن بعضهم : ولو جئنا بمثله مددا ، كأن قارىء ذلك كذلك أراد : لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ، ولو زدنا بمثل ما فيه من المداد الذي يكتب به مدادا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : البَحْرُ مِدَادا لكلمات ربي للقلم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَوْ كانَ البَحْرُ مِدَادا لكَلِماتِ رَبّي يقول : إذا لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله وحكمه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

{ قل لو كان البحر مدادا } ما يكتب به ، وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج . { لكلمات ربّي } لكلمات علمه وحكمته . { لنفد البحر } لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه . { قبل أن تنفد كلمات ربّي } فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء . { ولو جئنا بمثله } بمثل البحر الموجود . { مدداً } زيادة ومعونة ، لأن مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهي الأبعاد ، والمتناهي ينفذ قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة . وقرئ " ينفد " بالياء و{ مدداً } بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومداداً . وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وتقرؤون { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } .