فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

{ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي } قال ابن الأنباري : سمي المداد مدادا لإمداده الكاتب وأصله من الزيادة ومجيء الشيء ، بعد الشيء ، ويقال للزيت الذي يوقد به السراج مدادا ، والمراد بالبحر هنا الجنس ، والمعنى لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وعجائبه وفرض أن جنس البحر مداد لها { لنفد البحر } أي لفني ماؤه { قبل أن تنفد كلمات ربي } أي قبل نفود الكلمات ، وقيل المعنى لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب لنفد البحر قبل نفود كلمات ربي أي علمه . قاله مجاهد .

وقال قتادة : ينفد ماء البحر قبل أن ينفد كلام الله وحكمته ، وقيل المراد بها معلوماته ، قرئ تنفد بالتاء والياء وهما سبعيتان وذكر في الكشاف أن قبل هنا بمعنى غير أو بمعنى دون ، وقيل عنى سبحانه بالكلمات الكلام القديم الذي لا غاية له ولا منتهى ، وهو إن كان واحدا فيجوز أن يعبر عنه بلفظ الجمع لما فيه من الفوائد ، وقد عبرت العرب عن الفرد بلفظ الجمع قال الأعشى :

ووجه نقي اللون صاف يزينه مع الجيد لبات لها ومعاصم

فعبر بالبات عن اللبة قال الجبائي : عن قوله { قبل أن تنفد كلمات ربي } يدل على أن كلماته قد تنفد في الجملة ، وما ثبت عدمه امتنع قدمه ، وأجيب بأن المراد الألفاظ الدالة على متعلقات تلك الصفة الأزلية ، وقيل في الجواب إن نفاد شيء قبل نفاد شيء آخر لا يدل على نفاد الشيء الآخر ولا على عدم نفاده ، فلا يستفاد من الآية إلا كثرة كلمات الله بحيث لا تضبطها عقول البشر ، أما أنها متناهية أو غير متناهية فلا دليل على ذلك في هذه الآية ، والحق أن كلمات الله تابعة لمعلوماته وهي غير متناهية فالكلمات غير متناهية .

{ ولو جئنا بمثله مددا } كلام من جهته سبحانه غير داخل تحت قوله { قل لو كان البحر } وفيه زيادة مبالغة وتأكيد ، والواو لعطف ما بعده على جملة مقدرة مدلول عليها بما قبلها أي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لو لم يجيء بمثله مددا { ولو جئنا بمثله } أي البحر { مددا لنفد } أيضا والمدد الزيادة وقرئ مدادا وهي كذلك في مصحف أبيّ .

ثم أمر سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسلك مسلك التواضع فقال :