نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

ولما تم الجواب عن أسئلتهم على أحسن الوجوه مخللاً بما تراه من{[47581]} الحجج البينة{[47582]} والنفائس الملزمة{[47583]} لهم بفصل النزاع ، و{[47584]}أتبع ذلك بقص الأمر الذي بإغفاله تجرؤوا على الكفر ، وهو أمر البعث إلى أن ختمه بما يقتضي أن معلوماته لا تحد ، لأن مقدوراته في تنعيم أهل الجنة لا آخر لها فلا تعد ، وكان اليهود قد اعترضوا على قوله في أولها{[47585]}{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً{[47586]} }[ الإسراء : 85 ] بأنهم أوتوا التوراة ، وكان لكل ما{[47587]} سألوا عنه من الفصول الطويلة الذيول أمور تهول ، وكان ربما{[47588]} قال قائل : ما له لا يزيد ذلك شرحاً ؟ قال تعالى آمراً بالجواب عن ذلك كله ، معلماً لهم بأنهم لا يمكنهم الوقوف على تمام شرح شيء من معلوماته ، وآخر استفصال شيء من مقدوراته ، قطعاً لهم عن السؤال ، وتقريباً إلى أفهامهم بضرب من المثال{[47589]} : { قل } أي يا أشرف {[47590]}الخلق لهم{[47591]} : { لو كان البحر } {[47592]}أي ماؤه{[47593]} على عظمته عندكم { مداداً } {[47594]}وهو اسم لما يمد به الدواة من الحبر{[47595]} { لكلمات } أي لكتب كلمات { ربي } أي{[47596]} المحسن إليّ في وصف ذلك و{[47597]}غيره مما تعنتموه في السؤال عما سألتم عنه أو غير ذلك { لنفد } أي فني {[47598]}مع الضعف فناء لا تدارك له{[47599]} { البحر } لأنه جسم متناه .

{[47600]}ولما كانت المخلوقات - لكونها ممكنة - ليس لها من ذاتها إلا العدم ، وكانت الكلمات من صفات{[47601]} الله ، وصفات الله واجبة الوجود ، فكان نفادها محالاً ، فكان نفاد الممكن من البحر وما يمده بالنسبة إليها مستغرقاً للأزمنة كلها ، جرد الظرف من حرف الجر فقال : { قبل أن تنفد } {[47602]}أي تفنى وتفرغ{[47603]} { كلمات ربي } لأنها لا تتناهى لأن معلوماته ومقدوراته لا تتناهى ، وكل منها له شرح طويل ، وخطب جليل ؛ {[47604]}ولما لم يكن أحد غيره يقدر على إمداد{[47605]} البحر قال : { ولو جئنا } أي{[47606]} بما لنا من العظمة التي لا تكون لغيرنا { بمثله مدداً * } أي{[47607]} له يكتب منه {[47608]}لنفد أيضاً ، وهذا كله كناية عن عدم النفاد ، لأنه تعليق على محال عادة كقولهم : لا تزال على كذا ما بل بحر صوفة{[47609]} وما دجى الليل ، ونحو هذا ، ولعله عبر بجمع السلامة إشارة إلى أن قليلها بهذه الكثرة فكيف بما هو أكثر منه ، وذلك أمر لا يدخل تحت وصف ، {[47610]}وعبر بالقبل دون أن يقال " ولم تنفد " ونحوه ، لأن ذلك كاف في قطعهم عن الاستقصاء في السؤال ولأن التعبير بمثل ذلك ربما فتح باباً من التعنت وهو أن يجعلوا الواو للحال فيجعلوا النفاد مقيداً بذلك ، وأما سورة لقمان{[47611]} فاقتضى سياقها في تأسيس ما فيها على

{ الغني{[47612]} الحميد }[ لقمان : 26 ] ومقصودها أن يكون التعبير فيها بغير ما ههنا ، فما في كل سورة أبلغ بالنسبة إلى سياقه ، مع أنه ليس في إفصاح واحدة منهما ما يدل على نفاد الكلمات ولا {[47613]}عدمه ، و{[47614]}في إفهام كل منهما بتدبر القرائن في السياق{[47615]} وغيره ما يقطع بعدم نفاذها ، ولا تخالف بين الآيتين وإن كان التعبير في هذه السورة أدخل في التشابه{[47616]} ، ويجاب عنه بما قالوا في مثل قول الشاعر " على لاحب{[47617]} لا يهتدى بمناره " من أن ما في حيز السلب لا يقتضي الوجود ، ولعل التعبير بمثل ذلك من الفتن المميزة بين من في قلبه مرض وبين الراسخ الذي يرد المتشابه إلى المحكم ، وهو ما دل عليه البرهان القاطع من أن الله تعالى لا نهاية لذاته ، ولا لشيء من صفاته ، بل هو الأول{[47618]} والآخر الباقي بلا زوال - والله أعلم .


[47581]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47582]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47583]:من ظ ومد وفي الأصل: الملازمة.
[47584]:من ظ ومد، وفي الأصل "أو".
[47585]:بهامش ظ: أي الأسئلة.
[47586]:سورة 17 آية 85.
[47587]:في ظ: مما.
[47588]:زيد من ظ ومد.
[47589]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47590]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47591]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47592]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47593]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47594]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47595]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47596]:سقط من ظ ومد.
[47597]:في ظ: أو.
[47598]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47599]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47600]:العبارة من هنا إلى "الجر فقال" ساقطة من ظ.
[47601]:في مد: صفة.
[47602]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47603]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47604]:العبارة من هنا إلى "البحر فقال " ساقطة من ظ
[47605]:من مد، وفي الأصل: مداد.
[47606]:سقط من ظ.
[47607]:سقط من ظ.
[47608]:العبارة من هنا إلى "ونحو هذا" ص 152 س 2 ساقطة من ظ.
[47609]:من مد واللسان [صوف]وفي الأصل: صفوفه.
[47610]:العبارة من هنا إلى "والله أعلم" ص 153 س 1 ساقطة من ظ.
[47611]:آية 27.
[47612]:من مد وسورة لقمان آية 26 وفي الأصل: معنى.
[47613]:من مد، وفي الأصل: ما.
[47614]:زيد من مد.
[47615]:زيد في الأصل: به ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[47616]:من مد، وفي الأصل: الثناء.
[47617]:من مد – وهو الطريق الواسع، وفي الأصل: النصب.
[47618]:من مد، وفي الأصل: الايق له.