البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

{ قل لو كان البحر } .

قيل سبب نزولها أن اليهود قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها ومبعوث إليها ، وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم وأنت مقصر قد سئلت عن الروح فلم تجب فيه ؟ فنزلت معلمة باتساع معلومات الله وأنها غير متناهية وأن الوقوف دونها ليس ببدع ولا نكر ، فعبر عن هذا بتمثيل ما يستكثرونه وهو قوله { قل لو كان البحر } .

وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } ثم تقروؤن { وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً } فنزلت يعني إن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله { قل لو كان البحر } أي ماء البحر { مداداً } وهو ما يمد به الدواة من الحبر ، وما يمد به السراج من السليط .

ويقال : السماء مداد الأرض { لكلمات ربي } أي معد الكتب كلمات ربي وهو علمه وحكمته ، وكتب بذلك المداد { لنفد البحر } أي فني ماؤه الذي هو المداد قبل أن تنفد الكلمات لأن كلماته تعالى لا يمكن نفادها لأنها لا تتناهى والبحر ينفد لأنه متناه ضرورة ، وليس ببدع أن أجهل شيئاً من معلوماته و { إنما أنا بشر مثلكم } لم أعلم إلاّ ما أُوحي إلي به وأعلمت .

وقرأ الجمهور { مداداً لكلمات ربي } .

وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش ومجاهد والأعرج والحسن والمنقري عن أبي عمرو مدداً لكلمات ربي .

وقرأ الجمهور { تنفد } بالتاء من فوق .

وقرأ حمزة والكسائي وعمرو بن عبيد والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى بالياء .

وقرأ السلمي { أن تنفد } بالتشديد على تفعل على المضي ، وجاء كذلك عن عاصم وأبي عمرو فهو مطاوع من نفد مشدداً نحو كسرته فتكسر .

وفي قراءة الجماعة مطاوع لأنفد وجواب لو محذوف لدلالة المعنى عليه تقديره لنفد .

وقرأ الجمهور بمثله مدداً بفتح الميم والدال بغير ألف ، والأعرج بكسر الميم .

وانتصب { مدداً } على التمييز عن مثل كقوله :

فإن الهوى يكفيكه مثله صبراً ***

وقرأ ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأعمش بخلاف والتيمي وابن محيصن وحميد والحسن في رواية ، وأبو عمرو في رواية وحفص في رواية بمثله مداداً بألف بين الدالين وكسر الميم .

قال أبو الفضل الرازي : ويجوز أن يكون نصبه على المصدر بمعنى ولو أمددناه بمثله إمداداً ثم ناب المدد مناب الإمداد مثل أنبتكم نباتاً .