معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

قوله تعالى : { كذلك أرسلناك في أمة } : كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة ، { قد خلت } ، مضت ، { من قبلها أمم لتتلو } ، لتقرأ ، { عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن } . قال قتادة ، ومقاتل ، وابن جريج : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية ، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا : لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة -يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم ، فهذا معنى قوله : { وهم يكفرون بالرحمن } . والمعروف أن الآية مكية ، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن ، فرجع إلى المشركين فقال : إن محمدا يدعو إلهين ، يدعو الله ، ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } [ الإسراء-110 ] . وروي الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن ؟ قال الله تعالى : { قل } ، لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته ، { هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت } ، اعتمدت { وإليه متاب } ، أي : توبتي ومرجعي .