تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ كذلك } ، يعنى هكذا { أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم } ، يعني قد مضت قبل أهل مكة ، يعني الأمم الخالية ، { لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك } ، يعني لتقرأ عليهم القرآن ، { وهم يكفرون بالرحمن } ، نزلت يوم الحديبية ، حين صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ، فكتبوا بينهم كتابا ، وولى الكتاب على بن أبي طالب ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو القرشي : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة ، ولكن اكتب : باسمك اللهم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب : باسمك اللهم ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة" فقالوا : ما نعرف أنك رسول الله ، لقد ظلمناك إذا إن كنت رسول الله ، ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام ، ولكن اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله .

فغضب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : دعنا نقاتلهم ، فقال : "لا" ثم قال لعلي : "اكتب الذي يريدون ، أما أن لك يوما مثله" ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أما محمد بن عبد الله ، وأشهد أنى رسول الله" ، فكتب : هذا ماصالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة ، على أن ينصرف محمد من عامه هذا ، فإذا كان القابل دخل مكة ، فقضى عمرته وخلى أهل مكة بينه وبين مكة ثلاث ليال ، فأنزل الله تعالى في قول سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن الأحنف ، وحويطب بن عبد العزى ، كلهم من قريش حين قالوا : ما نعرف الرحمن ، إلا مسيلمة ، فقال تعالى : { وهم يكفرون بالرحمن } .

{ قل هو ربي } يا محمد قول : الرحمن الذي يكفرون به هو ربي ، { لا إله إلا هو عليه توكلت } يقول : به أثق ، { وإليه متاب } [ آية :30 ] يعني التوبة ، نظيرها في الفرقان : { فإنه يتوب إلى الله متابا } [ الفرقان :71 ] .