الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

قوله تعالى : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ } : الكافُ في محلِّ نصبٍ كنظائرها . قال الزمخشري : " مثلَ ذلك الإِرسالِ أَرْسلناك ، يعني : ارسلناك إرسالاً له شأن " . وقيل : الكافُ متعلِّقةٌ بالمعنى الذي في قوله { إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي } [ الرعد : 27 ] ، أي : " كما أنفذ اللهُ هذا كذلك ارسلناك " . وقال ابن عطية : " الذي يظهر لي أن المعنى : كما أَجْرَيْنا العادةَ بأنَّ الله يُضِلُّ ويَهْدِيْ لا بالآياتِ المقترحةَ ، فكذلك أيضاً فَعَلنا في هذه الأمَّةِ : أرسَلْناك إليها بوحيٍ لا بآيات مقترحة " .

وقال أبو البقاء : " كذلك " [ التقديرُ : ] الأمر كذلك فجعلها في موضعِ رفعٍ . وقال الحوفي : " الكافُ للتشبيه في موضع نصب ، أي : كفِعْلِنا الهدايةَ والإِضلال " . والإِشارةُ ب " ذلك " إلى ما وَصَفَ به نفسَه مِنْ أنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يشاء ويَهْدِي مَنِ يشاء .

قوله : { قَدْ خَلَتْ } جملةٌ [ في محلِّ جرٍّ صفةً ] . و " لتتلُوَ " متعلِّقٌ ب " أَرْسَلْناك " .

قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ } يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ استئنافيةً وأن تكونَ حاليةً ، والضميرُ في " وهم " عائدٌ على " أمة " من حيث المعنى ، ولو عاد على لفظِها لكان التركيبُ " وهي تكفر " . وقيل : الضميرُ عائدٌ على " أمَّة " وعلى " أُمَم " . وقيل : على الذين قالوا : { لَوْلاَ أُنزِلَ } [ الرعد : 27 ] .