تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

وقوله تعالى : ( كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ ) أي كما أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) أي كل رسول كان أرسل قبلك ، كان أمر أن يقول ما ذكر ، كذلك أرسلناك إلى قومك رسولا وإن كانوا يكفرون بالرحمن ، فقل أنت ما قال أولئك الرسل ( رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) الآية .

لم تخل أمة عن رسول كقوله : ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )[ فاطر : 24 ] .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : ( لولا أنزل عليه آية من ربه )[ يونس : 20 ] يقول : أرسلناك لتتلو أنباء الرسل والأمم الذين كانوا من قبلك عليهم لتكون آية لرسالتك ، ليعلموا أنك إنما علمت تلك الأنباء بالله تعالى .

وقوله تعالى : ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ) يقول ، والله أعلم ، هم يكفرون بالرحمن ، وفي كل من الخلائق آيات توحيد الله وألوهيته ، ولا في كل الخلائق آية لرسالتك ، وهم مع هذا كله يكفرون بالرحمن . فعلى ذلك يكفرون بآيات رسالتك .

وقال أبو بكر الأصم : ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ) هو صلة قوله : ( لولا أنزل عليه آية من ربه )[ الرعد : 27 ] وكانوا أهل التعنت[ في الأصل و م : التعهد ] من الكبر فقال : لو جئتهم بقرآن ( سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى )[ الآية : 31 ] .

يقول : لو جئت بذلك كله كان أمرهم بالتكذيب والعناد . وهو كقوله : ( ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله )الآية[ الأنعام : 111 ] وقوله : ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء )الآية[ الحجر : 14 ] يخبر عز و جل عن عنادهم أنهم لا يؤمنون بالآية ، وإن عظمت ، إلا أن يشاء الله .

وقوله تعالى : ( لله الأمر جميعا ) كقوله : ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة )[ الأنعام : 111 ] أي الأمر لله من شاء أن يؤمن يؤمن ، ومن شاء أن لا يؤمن فلا يؤمن البتة .

وقال بعضهم : قوله : ( وهم يكفرون بالرحمن ) أي يكفرون باسم الرحمن لأنهم قالوا : إن محمدا كان يدعونا إلى عبادة الله وتوحيده ، فالساعة يدعونا إلى عبادة الرحمن وألوهيته ، فذلك عبادة اثنين ، فقال : ( قل هو ربي لا إله إلا هو ) أي دعائي إلى عبادة الرحمن وألوهيته ، هو دعائي إلى عبادة الله ، وهو واحد ، ليس باثنين ولا عدد ، كقوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن )[ الإسراء : 110 ] أي عدد الأسماء لا يوجب عدد [ الذوات بل ][ في الأصل وم : الذات أو ] يكون لشيء واحد في الشاهد [ له ][ ساقطة من الأصل وم ] أسماء مختلفة . فاختلاف الأسماء لا يوجب اختلاف الذات فعلى ذلك في الله .

وقال بعضهم : الرحمن اسم من أسماء الله في الكتب الأول ، قالوا : كتبها رسول الله ، أبوا أن يقروا به ( قالوا وما الرحمن )[ الفرقان : 60 ] إنا لا نعرفه ، فنزل ( وهم يكفرون بالرحمن ) والله أعلم .