التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب 1( 30 ) } . [ 30 ] .

متابي : مرجعي أو إنابتي وتوبتي .

في الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وتضمنت التقريرات التالية : إن الله قد أرسله إلى أمته ليتلوا عليهم ما أوحاه إليه ويدعوهم إلى الحق ، ومع أنه ليس في هذا بدع ولا غرابة فإن الكفار تحدوه بالآيات وكذبوا وجحدوا ، وهم في الحقيقة إنما يجحدون الله الرحمان ، ويقعون بذلك في التناقض ؛ لأن يعترفوا بالله . فليس عليه ، والحالة هذه إلا أن يعلن أن الرحمن هو ربه وأن لا إله إلا هو وإليه وحده إنابته ومرجعه .

وواضح أن الآية متصلة بالسياق ، وفيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت ، وقد تكرر معناها لتكرار المواقف والمناسبات .

ولقد روى بعض المفسرين أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن ، فقال لقريش : إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله ويدعوا إلها آخر يسمى الرحمن ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت الآية {[1200]} .

ويلحظ أن الجملة جزء من آية متصلة بسياق سابق ولا حق ؛ مما يحمل على التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية .

ولقد روى الطبري عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب قريشا في الحديبية كتب بسم الله الرحمن الرحيم قالوا : لا تكتب الرحمان وما ندري ما الرحمان لا تكتب إلا باسمك اللهم فأنزل الله الآية حاكية لقولهم منددة بهم . والرواية تقتضي أن تكون الآية مدنية مع أن الطابع المكي قوي البروز عليها فضلا عن صلتها الوثيقة بالسياق السابق .

ولقد حكت إحدى آيات سورة الفرقان سؤال المشركين الاستنكاري عن الرحمن حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله ويصفه بالرحمان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان . . } [ الفرقان : 60 ] وروى المفسرون رواية مماثلة لهذه الرواية في سياقها{[1201]} ورووا ذلك أيضا{[1202]} في سياق آية سورة الإسراء هذه . { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى } [ الإسراء : 110 ] على ما ذكرناه في سياق تفسير السورتين حيث يبدو أن المشركين ظلوا يجادلون في اسم الرحمان بشيء في أذهانهم عنه لا يمكن التأكد منه ، فاقتضت حكمة التنزيل تكرار توكيد أنه اسم من أسماء الله .


[1200]:انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.
[1201]:انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.
[1202]:انظر تفسير الخازن ابن كثير والبغوي.