محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

/ [ 30 ] { كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب 30 } .

{ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت } أي مضت { من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك } أي : لتبلغهم هذا الوحي العظيم والذكر الحكيم ، كما بلّغ من خلا قبلك من المرسلين أممهم . وقوله : { وهم يكفرون بالرحمن } جملة حالية أو مستأنفة أي : يكفرون بالبليغ الرحمة ، الذي وسعت رحمته كل شيء والعدول إلى المظهر الدال على الرحمة ، إشارة إلى أن الإرسال ناشئ منها ، كما قال تعالى{[5096]} : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وإلى أنهم لم يشكروا نعمة هذا الوحي الذي هو مدار المنافع الدينية والدنيوية ، وإلى الرحمن من أسمائه الحسنى ونعوته العليا ، وقد كانوا يتجافون هذا الاسم الكريم ، ولهذا لم يرضوا يوم الحديبية{[5097]} أن يكتبوا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقالوا : ما ندري ما الرحمن الرحيم ؟ كما في ( الصحيح ) . وقد قال تعالى{[5098]} : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } . وفي ( صحيح مسلم ) {[5099]} عن ابن عمر مرفوعا : " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " .

{ قل هو } أي : الرحمن الذي كفرتم به وأنكرتم معرفته { ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } أي : توبتي وإنابتي . فإنه لا يستحق ذلك غيره .


[5096]:[21 / الأنبياء / 107].
[5097]:حديث يوم الحديبية أخرجه البخاري في: 54- كتاب الشروط، 15- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم 881 و 882 عن المسور بن مخرمة ومروان، وهو حديث طويل جامع، فلا يفتك الاطلاع عليه. ففيه غنم كبير.
[5098]:[17 / الإسراء / 110].
[5099]:أخرجه مسلم في: 38- كتاب الآداب، حديث رقم 2 (طبعتنا).