السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ كذلك } ، أي : مثل إرسال الرسل الذين قدمنا الإشارة إليهم في آخر سورة يوسف وفي غيرها { أرسلناك في أمّة } ، أي : جماعة كثيرة { قد خلت من قبلها } ، أي : تقدّمتها { أمم } طال أذاهم لأنبيائهم ، ومن آمن بهم ، واستهزاؤهم بهم في عدم الإجابة حتى كأنهم تواصوا بهذا القول فليس ببدع إرسالك إليهم { لتتلو } ، أي : لتقرأ { عليهم } ، أي : على أمّتك { الذي أوحينا إليك } من القرآن وشرائع الدين { وهم } ، أي : والحال أنهم { يكفرون بالرحمن } ، أي : بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء .

وقال قتادة : هذه الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية ، وذلك أن سهل بن عمرو لما جاء للصلح واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم » . فقال سهل بن عمرو : لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعني مسيلمة الكذاب أكتب كما كنت تكتب باسمك اللهمّ » فهذا معنى قوله : { وهم يكفرون بالرحمن } ، أي : أنهم يكفرونه ويجحدونه . قال البغويّ : والمعروف أنّ الآية مكية ، وسبب نزولها أنّ أبا جهل سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن ، فرجع إلى المشركين فقال : إنّ محمداً يدعو الله ويدعو إلهاً آخر يسمى الرحمن ولا نعرف الرحمن ، إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } [ الإسراء ، 110 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اسجدوا للرحمن » قالوا : وما الرحمن ؟ قال الله تعالى : { قل } لهم يا محمد إنّ الرحمن الذي أنكرتم معرفته { هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت } ، أي : اعتمدت عليه في أموري كلها { وإليه متاب } ، أي : مرجعي ومرجعكم .