فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ( 30 ) } .

{ كَذَلِكَ } أي مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن المشتمل على المعجزة الباهرة { أَرْسَلْنَاكَ } يا محمد إرسالا له شأن ، وقيل شبه الإنعام على من أرسل إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله ، وقيل كما هدى الله من أناب كذلك أرسلناك .

وقال ابن عطية الذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي لا بالآيات المقترحة فكذلك أيضا فعلنا في هذه الأمة أرسلناك إليها بوحي لا بالآيات المقترحة ، وقال أبو البقاء : كذلك الأمر كذلك ، وقال الحوفي : أي كفعلنا الهداية والإضلال ، والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وكل ذلك فيه تكلف وبعد ، والأول أظهر وأولى .

{ فِي أُمَّةٍ } أي قرن { قَدْ خَلَتْ } مضت { مِن قَبْلِهَا } أي قبل الأمة { أُمَمٌ } قرون أو في جماعة من الناس كثيرة قد مضت من قبلها جماعات { لِّتَتْلُوَ } لتقرأ { عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } أي القرآن { وَ } الحال أن { هُمْ يَكْفُرُونَ } أو استئناف وهم عائد على أمة من حيث المعنى ، ولو عاد على لفظها لقيل وهي تكفر ، وقيل على أمة ، وعلى أمم ، وقيل على الذين قالوا لولا أنزل { بِالرَّحْمَنِ } أي بالكثير الرحمة لعباده ، ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } .

عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب في الكتاب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالت قريش أما الرحمن فلا نعرفه ، وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم ، فقال أصحابه دعنا نقاتلهم ، فقال : لا ولكن اكتبوا كما يريدون ) {[1006]} وعن ابن جريج في هذه الآية نحوه وقيل حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن كما ذكر في سورة الفرقان بقوله : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } فهذه الآية متقدمة على ما هنا في النزول وإن تأخرت عنها في المصحف والتلاوة ، وقيل غير ذلك ، { قُلْ هُوَ رَبِّي } مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا وما الرحمن ؟ فقال سبحانه : قل يا محمد هو ربي ، أي الرحمن الذي أنكرتم معرفته ربي وخالقي .

{ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره { مَتَابِ } أي توبتي قاله مجاهد ، وفيه تعريض بالكفار لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول في الإسلام .


[1006]:انظر تمام القصة في سيرة ابن هشام 24.