معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

قوله تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } . قال الكلبي ومقاتل وعطاء : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ، واسمه أبي وسمي الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكان رجلاً حلو الكلام ، حلو المنظر ، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام ، ويقول : إني لأحبك ، ويحلف بالله على ذلك ، وكان منافقاً ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني مجلسه فنزل قوله تعالى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) أي تستحسنه ويعظم في قلبك ، ويقال في الاستحسان : أعجبني كذا وفي الكراهية والإنكار عجبت من كذا .

قوله تعالى : { ويشهد الله على ما في قلبه } . يعني قول الأخنس المنافق : والله إني بك مؤمن ولك محب .

قوله تعالى : { وهو ألد الخصام } . أي شديد الخصومة ، يقال : لددت يا هذا وأنت تلد لددا ولدادة ، فإذا أردت أنه غلب على خصمه : قلت : لده يلده لداً ، يقال : رجل ألد وامرأة لداء وقوم لد ، قال الله تعالى : ( وتنذر به قوماً لداً ) . قال الزجاج : اشتقاقه من لديدي العنق وهما صفحتاه ، وتأويله : أنه في أي وجه أخذ من يمين أو شمال في أبواب الخصومة غلب ، " والخصام " مصدر خاصمه خصاماً ومخاصمة قاله أبو عبيدة . وقال الزجاج : هو جمع خصم يقال : خصم وخصام وخصوم ، مثل بحر وبحار وبحور ، قال الحسن : ( ألد الخصام ) أي كاذب القول ، قال قتادة : شديد القسوة في المعصية ، جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم " .