إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

{ وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ } تجريدٌ للخطاب وتوجيهٌ له إليه عليه الصلاة والسلام وهو كلامٌ مبتدأ سيق لبيان تحزُّب الناسِ في شأن التقوى إلى حِزبين وتعيينِ مآلِ كلَ منهما و( من ) موصولة أو موصوفة وإعرابُه كما بينا في قوله تعالى :

{ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله وباليوم الآخر } [ البقرة ، الآية 8 ] أي ومنهم من يروقْك كلامُه ويعظُم موقعُه في نفسك لما تشاهد فيه من ملاءمة الفحوى ولُطف الأداءِ ، والتعجُّب حِيْرةٌ تعرِضُ للإنسان بسبب عدمِ الشعور بسبب ما يتعجّب منه { في الحياة الدنيا } متعلق بقولُه أي ما يقوله في حق الحياة الدنيا ومعناها فإنها الذي يريده بما يدّعيه من الإيمان ومحبةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، وفيه إشارةٌ إلى أن له قولاً آخرَ ليس بهذه الصفة أو بيُعجبُك أي يعجبك قولُه في الدنيا بحلاوته وفصاحتِه لا في الآخرة لما أنه يظهر هناك كذِبُه وقُبحُه وقيل : لما يُرهِقه من الحبْسة واللُكنة وأنت خبيرٌ بأنه لا مبالغة حينئذ في سوء حالِه فإن مآلَه بيانُ حسنِ كلامِه في الدنيا وقبُحِه في الآخرة وقيل : معنى في الحياة الدنيا أي لا يصدُر منه فيها إلا القولُ الحسن { وَيُشْهِدُ الله على مَا فِي قَلْبِهِ } أي بحسَب ادِّعائِه حيث يقول : الله يعلم أن ما في قلبي موافِقٌ لما في لساني وهو عطفٌ على يُعجبُك ، وقرئ ويُشهدُ الله ، فالمرادُ بما في قلبه ما فيه حقيقةً ، ويؤيده قراءةُ ابنِ عباس رضي الله عنهما ( والله يشهَدُ على ما في قلبه ) على أن كلمةَ على لكون المشهودِ به مُضِرّاً له ، فالجملةُ اعتراضية وقرئ ويستشهدُ الله { وَهُوَ أَلَدُّ الخصام } أي شديد العداوةِ والخصومةِ للمسلمين على أن الخِصامَ مصدرٌ وإضافة ( ألدُّ ) إليه بمعنى في كقولكم : ثبْتُ العذرِ ، أو أشدُّ الخصوم لهم خصومةً على أنه جمع خَصْم كصَعْب وصِعاب قيل : نزلت في الأخنس بنِ شُرَيقٍ الثقفي وكان حسنَ المنظر حلوَ المنطق يوالي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويدعي الإسلامَ والمحبة وقيل : في المنافقين والجملةُ حال من الضمير المجرور في قوله أو من المستكن في يُشهد وعطف على ما قبلها على القراءتين المتوسطتين .