الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا ، لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ! فأنزل الله { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } أي لما يظهر من الإسلام بلسانه { ويشهد الله على ما في قلبه } أنه مخالف لما يقوله بلسانه { وهو ألد الخصام } أي ذو جدال إذا كلمك راجعك ( وإذا تولى ) خرج من عندك ( سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) ( البقرة الآية 205 ) أي لا يحب عمله ولا يرضى به ( ومن الناس من يشري نفسه . . . ) ( البقرة الآية 207 ) الآية . الذين شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا في ذلك ، يعني هذه السرية .

وأخرج ابن المنذر عن أبي اسحق قال : كان الذين اجلبوا على خبيب في قتله نفر من قريش عكرمة بن أبي جهل ، وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود ، والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن عبد شمس ، وأمية ابن أبي عتبة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن الناس من يعجبك } الآية . قال " نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة ، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وقال : جئت أريد الإسلام ، ويعلم الله أني لصادق . فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه فذلك قوله { ويشهد الله على ما في قلبه } ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فاحرق الزرع وعقر الحمر ، فأنزل الله ( وإذا تولى سعى في الأرض ) ( البقرة 205 ) الآية " .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي قال : كنت جالسا بمكة فسألوني عن هذه الآية { ومن الناس من يعجبك قوله . . . } . قلت : هو الأخنس بن شريق ومعنا فتى من ولده ، فلما قمت اتبعني فقال : إن القرآن إنما نزل في أهل مكة ، فإن رأيت أن لا تسمى أحدا حتى تخرج منها فافعل .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري . أنه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال : إن في بعض كتب الله : إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر ، لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين . قال الله تعالى : أعلي يجترئون ؟ وبي يغترون ؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران . فقال محمد بن كعب القرظي : هذا في كتاب الله { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الآية . فقال سعيد : قد عرفت فيمن أنزلت . فقال محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل وتكون عامة بعد .

وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس قال : أوحى الله إلى نبي من الأنبياء : ما بال قومك يلبسون جلود الضأن ، ويتشبهون بالرهبان ، كلامهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر ؟ أبي يغترون أم لي يخادعون ؟ وعزتي لأتركن العالم منهم حيرانا ، ليس مني من تكهن أو تٌكهّن له ، أو سحر أو سحر له ، ومن آمن بي فليتوكل علي ، ومن لم يؤمن فليتبع غيري .

وأخرج أحمد في الزهد عن وهب . " أن الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل : يفقهون لغير الدين ، ويعلمون لغير العمل ، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذئاب ، ويتقوى القذى من شرابكم ، ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم ، ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا يعينونهم برفع الخناصر ، يبيضون الثياب ويطيلون الصلاة ، ينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة ، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي ، وحكمة الحكيم " .

وأما قوله تعالى : { وهو ألد الخصام } .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وهو ألد الخصام } قال : شديد الخصومة .

وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله :{ وهو ألد الخصام } قال : الجدل المخاصم في الباطل . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول مهلهل :

إن تحت الأحجار حزما وجودا وخصيما ألد ذا مغلاق

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { وهو ألد الخصام } قال : ظالم لا يستقيم .

وأخرج وكيع وأحمد والبخاري وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " .

وأخرج الترمذي والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كفى بك آثما أن لا تزال مخاصما " .

وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : كفى بك آثما أن لا تزال مماريا ، وكفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما ، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا الأحاديث في ذات الله عز وجل " .

وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : من كثر كلامه كثر كذبه ، ومن كثر حلفه كثر إثمه ، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه .

وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الكريم الجزري قال : ما خاصم ورع قط .

وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال : من بالغ في الخصومة أثم ، ومن قصر فيها خصم ، ولا يطيق الحق من تألى على من به دار الأمر ، وفضل الصبر التصبر ، ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسوق .

وأخرج البيهقي عن الأحنف بن قيس قال : ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة . حليم من أحمق ، وبر من فاجر .

وأخرج البيهقي عن ابن عمرو بن العلاء قال : ما تشاتم رجلان قط إلا غلب ألأمهما .