فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله : { فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ } عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه . قال ابن عطية : ما ثبت قط أن الأخنس أسلم ، وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين ، وقيل : إنها نزلت في كل من أضمر كفراً ، أو نفاقاً ، أو كذباً ، وأظهر بلسانه خلافه . ومعنى قوله : { يُعْجِبُكَ } واضح . ومعنى قوله : { وَيُشْهِدُ الله على مَا فِى قَلْبِهِ } أنه يحلف على ذلك فيقول : يشهد الله على ما في قلبي من محبتك ، أو من الإسلام ، أو يقول : الله يعلم أني أقول حقاً ، وأني صادق في قولي لك . وقرأ ابن محيصن : " وَيُشْهِدُ الله " بفتح حرف المضارعة ، ورفع الإسم الشريف على أنه فاعل ، والمعنى : ويعلم الله منه خلاف ما قال ، ومثله قوله تعالى : { والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون } [ المنافقون : 1 ] وقراءة الجماعة أبلغ في الذمّ . وقرأ ابن عباس : { والله يشهد على ما في قلبه } وقرأ أبيّ ، وابن مسعود : «ويستشهد الله على ما في قلبه » . وقوله : { في الحياة الدنيا } متعلق بالقول ، أو ب{ يعجبك } ، فعلى الأوّل القول صادر في الحياة ، وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها . والألدّ : الشديد الخصومة . يقال : رجل ألدّ ، وامرأة لداء ، ولددته ألدّه : إذا جادلته ، فغلبته ، ومنه قول الشاعر :

وألدّ ذي جَنَفٍ عليَّ كَأنَّما *** تغْلِي عَداوةٌ صدره في مْرجَل

والخصام مصدر خاصم . قاله الخليل ، وقيل : جمع خصم ، قاله الزجاج : ككلب ، وكلاب ، وصعب ، وصعاب ، وضخم ، وضخام ، والمعنى : أنه أشدّ المخاصمين خصومة ، لكثرة جداله ، وقوّة مراجعته ، وإضافة الألدّ إلى الخصام بمعنى : في ، أي ألدّ في الخصام ، أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة .

/خ207