فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } .

{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } أي يروقك وتستحسنه ويعظم في قلبك حلاوة كلامه مما يتعلق بأمر الدنيا ، والإعجاب استحسان الشيء والميل إليه والتعظيم له .

وقال الراغب : العجب حيرة تعرض للإنسان بسبب الشيء ، وليس هو شيئا له في ذاته حالة حقيقية بل هو بحسب الإضافات إلى من يعرف السبب ومن لا يعرفه ، وحقيقة أعجبني كذا ظهر لي ظهورا لم أعرف سببه انتهى .

لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله { ومن الناس من يقول } عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين ، وقيل إنها نزلت في كل من أضمر كفرا أو نفاقا أو كذبا وأظهر بلسانه خلافه .

{ ويشهد الله على ما في قلبه } أي أنه يحلف على ذلك فيقول إني بك مؤمن ولك محب أو يقول الله يعلم أني أقول حقا وأني صادق في قولي لك ، أو أن ما في قلبي موافق لقولي { وهو ألد الخصام } أي شديد الخصومة يقال رجل ألد ، وامرأة لداء ، والخصام مصدر خاصم قاله الخليل ؛ وقيل جمع خصيم قاله الزجاج .

والمعنى أنه أشد المخاصمين خصومة لكثرة جداله وقوة مراجعته ، والإضافة بمعنى في ، أي ألد في الخصام أو جعل الخصام ألد على المبالغة أي شديد الجدال في الباطل ؛ وهو كاذب القول ؛ وقيل شديد القسوة في المعصية يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة ؛ وعن عائشة رصي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) ؛ أخرجه البخاري ومسلم .