الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (204)

قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُّعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الآية [ 203 ] :

نزلت هذه الآية في الأخنس( {[6624]} ) بن شريق ، واسم الأخنس أبي ، وأمه ضبيعة عمة عثمان رضي الله عنه ، كان حليفاً( {[6625]} ) لبني زهرة ، وكان قد أتى مع قومه بني زهرة( {[6626]} ) إلى بدر مع المشركين يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتوا الجحفة( {[6627]} ) ، أشار على بني زهرة بترك القتال فأطاعوه ، فأخنس بهم من المشركين ، ورجع فسمي الأخنس( {[6628]} ) فلما بلغ النبي [ عليه السلام ]( {[6629]} ) قوله وما أشار به على بني زهرة عجب من ذلك ، ففيه نزلت : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُّعْجِبُكَ قَوْلُهُ ) الآية . ثم إنه بعد ذلك قدم على النبي [ عليه السلام ]( {[6630]} ) فأظهر المحبة للإسلام ، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك ، وأنه صادق في( {[6631]} ) قوله ، فأعجب النبي [ عليه السلام ]( {[6632]} ) منه ذلك وكان يبطن الغش والنفاق ، فلما خرج( {[6633]} ) أفسد زَرْعَ( {[6634]} )/الناس بالنار وأهلك مواشيهم ، فذلك قوله : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعى فِي الاَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ ) أي : بالنار والنسل( {[6635]} ) . وروي أنه عقر حمراً( {[6636]} ) ، وفيه نزلت : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ/لُّمَزَةٍ )( {[6637]} ) . وفيه نزلت : ( وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ ) إلى ( الخُرْطُومِ )( {[6638]} ) ، لأنه حلف أنه ما قدم إلا رغبة في الإسلام وأنه صادق في يمينه( {[6639]} ) ، فقال الله عز وجل : ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) أي أنه صادق في قوله( {[6640]} ) .

وقوله : ( أَلَدُّ الخِصَامِ ) [ 204 ] . أي شديد الخصومة .

وقيل : معناه أنه كاذب في قوله( {[6641]} ) .

والخصام مصدر " خاصم " ( {[6642]} ) .

وقال الزجاج والقتبي : " هو جمع خصم . يقال : خصم ، وخصوم وخصام " ( {[6643]} ) .

وعن ابن عباس أنه قال : " نزلت في السرية التي أصيبت للنبي عليه السلام تكلم قوم من المنافقين فيها ، فأخبر الله عن اختلاف سريرتهم وعلانيتهم( {[6644]} ) " .

وقيل : إن الآية عامة في كل منافق أخبر الله أنه يقول بلسانه ما لا يعتقد بقلبه( {[6645]} ) . وقد قال في موضع آخر ، ( وَإِذَا/لَقُوا الذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا )( {[6646]} ) ، وقال : ( وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الاَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ )( {[6647]} ) . فأخبر الله أنه يشهد على ما في قلبه . يريد أنه يقول ما يقول ، ويستشهد بالله أنه صادق في قوله ؛ يقول : الله يشهد أني صادق فيما أقول وهو كاذب( {[6648]} ) . فأخبرنا الله تعالى أنه شديد الخصومة ، وأنه إذا تولى سعى في الأرض بالفساد الذي هو سبب( {[6649]} ) هلاك زرع الناس لأنه إذا أفسد اشتغل بالحرب( {[6650]} ) والقتال عن الزرع ، وإذا لم يكن زرع لم تجد( {[6651]} ) البهائم ما تأكل ، فيذهب النسل/وقوله : ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ ) [ 202 ] . أي يقول : اللهم( {[6652]} ) إنك تشهد أني صادق : " وهو كاذب( {[6653]} ) " . وقرأ ابن( {[6654]} ) محيصن : " ويَشْهَدُ اللهُ بفتح( {[6655]} ) الياء ، ورفع الاسم على معنى : [ والله ] يشهد أنه كاذب في قوله( {[6656]} ) .


[6624]:- في ع2: الخنس. وهو تحريف.
[6625]:- في ق: في ع3: خليفاً. وهو تصحيف.
[6626]:- قوله: "وكان قد أتى...زهرة" ساقط من ع3.
[6627]:- في ع3: الحجفة.
[6628]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/271.
[6629]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6630]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6631]:- في ع1، ق: وفي.
[6632]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم من.
[6633]:- في ع2: فلما أخرج. وفي ع3: ولما أخرج..وكلاهما تحريف.
[6634]:- في ع1: زراع.
[6635]:- انظر: أسباب النزول 59، ولباب النقول 40، وهو قول السدي في جامع البيان 4/229-230، وتفسير القرطبي 3/14-15.
[6636]:- في ع3: حماراً، وهو تحريف.
[6637]:- الهمزة آية 1.
[6638]:- القلم الآيات 10-16.
[6639]:- في ع2: بيته، وهو تحريف.
[6640]:- انظر: أسباب النزول 59، ولباب النقول 40. وهو قول السدي في جامع البيان 4/229-230، وتفسير القرطبي 3/14-15.
[6641]:- وهو قول الحسن في جامع البيان 4/236.
[6642]:- انظر: هذا التوجيه في مشكل الإعراب 1/125، والبيان 1/148، والإملاء 1/89.
[6643]:- انظر: تفسير الغريب 80، وتفسير القرطبي 3/16، والمصادر السابقة.
[6644]:- انظر: جامع البيان 4/230-231، وتفسير القرطبي 3/15. استشهد من هذه السرية سبعون قارئاً من الصحابة بالرجيع، وهو موضع يقع بين مكة والمدينة، انظر سيرة ابن هشام 3/178-199.
[6645]:- انظر: تفسير القرطبي 3/15، وهو قول قتادة ومجاهد وغيرهما في جامع البيان 4/232.
[6646]:- البقرة آية 13.
[6647]:- آل عمران آية 119.
[6648]:- فيع1، ع2، ع3: كذب.
[6649]:- في ق: سميت. وهو تحريف.
[6650]:- في ع2، ح، ق، ع3: بالحروب.
[6651]:- في ع1، ق، ع3: يجد.
[6652]:- في ع3: الله، وهو تحريف.
[6653]:- في ع2، ع3: كذب. وانظر هذا المعنى في تفسير القرطبي 3/15، وهو قول السدي في جامع البيان 4/234.
[6654]:- في ع2: أبو، وهو تحريف.
[6655]:- انظر: معاني الفراء 1/129، والإملاء 1/89، وفي ق: يفتح، وهو تصحيف.
[6656]:- انظر: معاني الأخفش 1/165.