معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

قوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا } ، تذللا واستكانة ،

قوله تعالى : { وخفية } أي سرًا ، قال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله سبحانه يقول { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وأن الله ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال { إذ نادى ربه نداءً خفيًا } .

قوله تعالى : { إنه لا يحب المعتدين } قيل : المعتدين في الدعاء ، وقال أبو مجلز : هم الذين يسألون منازل الأنبياء عليهم السلام .

أخبرنا محمد بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، ثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد يعني ابن سلمة ، أنبأنا سعيد الجريري ، عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول : " اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال : يا بني سل الله الجنة وتعوذ من النار ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) .

وقيل : أراد به الاعتداء بالجهر ، قال ابن جريج : من الاعتداء رفع الصوت ، والنداء بالدعاء ، والصياح . وروينا عن أبي موسى قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أشرف الناس على واد ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ، ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعًا قريبًا ) . وقال عطية : هم الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل ، فيقولون : اللهم أخزهم اللهم العنهم .