تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

المفردات :

ادعوا ربكم : اسألوه واطلبوا منه حوائجكم .

تضرعا : مظهرين الضراعة والذلة والاستكانة والخشوع .

خفية : سرا في قلوبكم .

التفسير :

ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين .

التضرع : الضراعة والتذلل والابتهال والرغبة إليه تعالى يقال : ضرع فلان ضراعة . أي : خشع وذل وخضع .

الخفية : الإسرار والتواري وعدم الجهر بالدعاء .

والمعنى : ادعوا ربكم في تضرع وتذلل وخشوع ، واستتار وخفية ؛ فإنه سبحانه وتعالى سميع يسمع الدعاء ويجيب المضطر ويكشف السوء ، وهو القادر على إيصال الإجابة إليكم .

والدعاء روح العبادة ؛ لأنه يشتمل على معان رئيسية في الإيمان ؛ إن محتواه أن مخلوقا ضعيفا يسأل ربا قويا بيده الخلق والأمر .

وللدعاء آداب منها :

التوبة النصوح ، والاستغفار ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وألا يدعو بقطيعة رحم ، وأن يتخير أدعية القرآن والسنة ، وما روى عن السلف الصالح ، وأن يتخير الأوقات الفاضلة مثل : وقت السحر في الثلث الأخير من الليل ، وأن يختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وألا يبالغ في الجهر ، وألا يطول الدعاء .

روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه : أريعوا على أنفسكم – أي : ارفقوا بها وأقصروا من الصياح – فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا ، إنه معكم ، إنه سميع قريب ، تبارك اسمه وتعالى جده ( 58 ) .

وهكذا نجد الأدب الإسلامي يتمثل في الدعوة إلى إتقان العمل ، والبعد عن الرياء ، وإخلاص العمل لوجه الله ، وخفض الصوت في الدعاء .

قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به ، ولقد كان المسلمون يجهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله تعالى يقول : ادعوا ربكم تضرعا وخفية . وذلك أن زكريا نادى ربه نداء خفيا ) ( 59 ) .

إنه لا يحب المعتدين . أي : المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء ، ومن الاعتداء في الدعاء ، كأن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا ، أو إدراك ما هو محال في نفسه ، أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به غير خاشع فيه .

روى أبو داود في سننه : أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعوا ويقول :

اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحوا من هذا . وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ؛ فقال له : يا بني ؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

( إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ) ثم قرأ سعد هذه الآية : ادعوا ربكم تضرعا وخفية . . . وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ( 60 ) .